يأكل منها ولا تنقص ، فذكروا ذلك للملك ، فاستدعاه عليهالسلام [ و] قال له : من أنت ؟ قال : أنا عيسى بن مريم ، فترك ملكه وتبعه مع أقاربه ، فاولئك هم الحواريّون (١) .
وقيل : إنّه سلّمته امّه إلى صبّاغ ، فأراد الصّبّاغ يوما أن يشتغل ببعض مهمّاته ، فقال له عليهالسلام : هاهنا ثياب مختلفة قد جعلت لكلّ واحد منها علامة معيّنة ، فاصبغها بتلك الألوان فغاب ، فجعل عليهالسلام كلّها في جبّ واحد ، فقال : كوني بإذن الله كما اريد ، فرجع الصّبّاغ فسأله ، فأخبره بما صنع ، فقال : أفسدت عليّ الثّياب ! قال : قم فانظر ، فجعل يخرج ثوبا أحمر ، وثوبا أخضر ، وثوبا أصفر ، إلى أن أخرج الجميع على أحسن ما يكون حسب ما كان يريد ، فتعجّب منه الحاضرون وآمنوا به عليهالسلام ، وهم الحواريّون (٢) .
قيل : إنّهم كانوا إذا جاعوا قالوا : جعنا يا روح الله ، فيضرب بيده الأرض ، فيخرج منها لكلّ واحد رغيفان ، وإذا عطشوا قالوا : عطشنا ، فيضرب بيده الأرض فيخرج منها الماء فيشربون ، فقالوا يوما : من أفضل منّا ؟ قال عليهالسلام : أفضل منكم من يعمل بيده ، ويأكل من كسبه ، فصاروا يغسلون الثّياب بالاجرة (٣) .
وقيل : إنّه عليهالسلام قال للحواريّين الاثني عشر : ﴿مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ﴾ وهذا لمّا طلبته اليهود للقتل ، وكان هو في الهرب منهم ، فأراد : أيّكم يحبّ أن يكون رفيقي في الجنّة على أن يلقى عليه شبهي ، فيقتل مكاني ؛ فأجابه إلى ذلك بعض ، وذلك قوله تعالى : ﴿نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ﴾ وحماة دينه ، وأعوان أنبيائه في إعلاء كلمته ، ودفاع أعدائه ، حيث إنّا ﴿آمَنَّا بِاللهِ﴾ والإيمان به مقتضي لمحبّته المقتضية لبذل النّفس والمال في سبيله ﴿وَاشْهَدْ﴾ أنت يا نبيّ الله يوم القيامة ، حين يشهد الرّسل على اممهم عند الله ﴿بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ لك منقادون لأمرك ، مخلصون في محبّتك وطاعتك.
ثمّ توجّهوا إلى الله متضرّعين إليه بقولهم : ﴿رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ﴾ من الإنجيل ﴿وَاتَّبَعْنَا﴾ بقلوبنا وجوارحنا ﴿الرَّسُولَ﴾ الذي أرسلته إلينا بالحقّ ، في جميع ما يأتي وما يذر.
ثمّ أنّهم - بعد عرض الإيمان بالرّسول وبما جاء به ، وإظهار الانقياد والطّاعة له - سألوا رفعة المقام عند الله ، والدّخول في زمرة أوليائه الكرام بقوله : ﴿فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ لك بالتّوحيد ، ولأنبيائك بالتّصديق ، أو مع اولي العلم الذين قرنتهم بنفسك في آية ﴿شَهِدَ اللهُ﴾(٤) ، أو مع محمّد صلىاللهعليهوآله وامّته الذين هم شهداء على جميع الامم ، وهو مرويّ عن ابن عبّاس (٥) ، أو مع الأنبياء الذين هم شهداء على
__________________
(١) تفسير الرازي ٨ : ٦٤ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٤١.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٤٢.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٤١.
(٤) آل عمران : ٣ / ١٨.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٧٥٧.