هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ﴾(١) واختلفت في تعريفهما الروايات وكلمات العلماء.
والحقّ أنّ المراد بالمحكم : هو الكلام الواضح الدّلالة بحيث لا يكون للعرف - ولو بملاحظة القرائن المكتنفة به - تحيّر في استفادة المراد منه ، ولا يحتاج في تعيين المقصود منه إلى الرّجوع إلى العالم أو إلى القرائن المنفصلة والأدلّة العقليّة والنّقليّة الخارجيّة.
والمراد بالمتشابه : هو الكلام المجمل أو المبهم الّذي يشتبه المراد منه على العرف ، بحيث لا يكون له بالوضع أو بالقرائن المتّصلة حقيقة أو حكما ظهور في المراد منه ، بل لا بدّ في الاستفادة منه من الرّجوع إلى العالم الخبير بمراد المتكلّم ، أو إلى الاجتهاد في تحصيل القرائن المنفصلة عن الكلام من حكم العقل المستقلّ ، أو سائر كلمات المتكلّم.
ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما عن العيّاشيّ رحمهالله عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن المحكم والمتشابه فقال : « المحكم ما يعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله » (٢) فإنّ الظاهر أنّ المراد من قوله : « ما يعمل به » ، هو الكلام الّذي لا يتوقّف العرف في فهم المراد منه والعمل به ، وهو جميع آيات الأحكام.
كما روي عن ابن عبّاس ، قال : المحكمات : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ، ومقدّمه ، ومؤخّره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به (٣) .
وعن مجاهد ، قال : المحكمات : ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه متشابه يصدّق بعضه بعضا (٤) .
في أنّ النبي صلىاللهعليهوآله والمعصومين من ذريته عليهمالسلام عالمون بتأويل المتشابه ، وفي تغليط القائلين باختصاص علمه بالله تعالى وعن الرّبيع ، قال : المحكمات : هي أوامره وزواجره (٥) . إلى غير ذلك من التعريفات ، فإنّ جميعها بيان لموارد التنّصيص والظهور ، وهي جميع الأحكام دون غيرها ، فإنّ في غير آيات الأحكام كثيرا ما يكون الإجمال والإهمال.
ثمّ إنّه قد غلط من قال باختصاص العلم بتأويل المتشابهات بالله سبحانه ، وإنّه ممّا استأثر به ذاته المقدّسة ، ولا يعلمه النبيّ صلىاللهعليهوآله وأوصياؤه المعصومون صلوات الله
__________________
(١) آل عمران : ٣ / ٧.
(٢) تفسير الصافي ١ : ٢٩٥ ، تفسير العيّاشي ١ : ٨٧ / ٣٨ « نحوه » .
(٣) تفسير الطبري ٣ : ١١٥.
(٤) تفسير الطبري ٣ : ١١٥ ، الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٤.
(٥) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٥ ، وفيه : هي الآمرة الزاجرة.