فيأخذه المؤمن ، يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله » (١) . حيث إنّ المراد من الأمّة المخوف عليهم التأويل ، غير الرّاسخين في العلم ، كما أنّ المراد من الّذين يخاف عليهم التحاسد والمقاتلة غير المعصومين منهم ، ولا دلالة لعدم ذكر بقيّة الآية على شيء.
كما أنّ الخطاب فيما روي عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « إنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعلموا به ، وما تشابه فآمنوا به » (٢) متوجّه إلى غير الرّاسخين في العلم العالمين بتأويله من لدن حكيم عليم ، فإنّهم الّذين لا يجوز لهم إلّا الإيمان والتعلّم من أهل العلم والذّكر.
وكذا ما عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « كان الكتاب الأوّل ينزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عمّا نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعلموا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا آمنّا به كلّ من عند ربّنا » (٣) .
فحاصل مدلول هذه الروايات ، أنّ وظيفة غير الرّاسخين من النّاس السّكوت عن تأويل المتشابهات ، وعدم القول فيه من قبل أنفسهم ، والإيمان بها ، والإقرار بأنّها من عند الله ، كما نقل عن ابن عبّاس رحمهالله أنّه قال : نؤمن بالمحكم وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به - أي لا نعمل به - وهو من عند الله كلّه (٤) .
وأعجب من جميع الاستدلالات ، استدلالهم بصنيع عمر بن الخطّاب ، حيث روي أنّ رجلا يقال له عبد الله بن صبيغ (٥) قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النّخل ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ [ عمر ] عرجونا فضربه حتّى أدمى رأسه (٦) .
وفي رواية : فضربه بالجريد حتّى ترك ظهره دبرة ثمّ تركه حتّى برى ، ثمّ عاد [ له ] ثمّ تركه حتّى برئ ، ثمّ دعاه ليعود فقال : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا ، فأذن له الرّجوع إلى أرضه ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : ألّا يجالسه أحد من المسلمين ، انتهى (٧) .
فإنّ الاستدلال بهذا الخبر على الطّعن في عمر وأنّه أظلم الظالمين ، أولى من الاستدلال به على
__________________
( ١ و٢ و٣ ) . الدر المنثور ٢ : ١٤٩.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨.
(٥) في النسخة : صنيع ( بضيع ) ، وما أثبتناه من المصادر.
(٦) تفسير القرطبي ٤ : ١٤ ، الدر المنثور ٢ : ١٥٢ ، الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨.
(٧) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨.