وإشارة إلى الغائب عن درك الحواسّ ، واللام دليل على إلهيّته وأنّه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السّمع ، ويظهران فى الكتابة ، دليلان على أنّ إلهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ، ولا تقع في لسان واصف ، ولا اذن سامع ، لأنّ تفسير الإله : هو الذي أله الخلق عن درك ماهيّته وكيفيّته بحسّ أو بوهم ، لانّه مبدع الأوهام ، وخالق الحواسّ ، وإنّما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله تعالى أظهر ربوبيّته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه ، كما أنّ لام الصّمد لا تبين (١) ولا تدخل في حاسّة من الحواسّ الخمس ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكّر العبد في ماهيّة الباري وكيفيّته أله فيه وتحيّر ولم تحظ فكرته بشيء يتصوّر له ، لأنّه عزوجل خالق الصّور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنّه عزوجل خالقهم ومركّب أرواحهم وأجسادهم (٢) .
وأمّا الصّاد فدليل على أنّه عزوجل صادق ، وقوله صدق ، وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى اتّباع الصدق [ بالصدق و] وعد بالصدق دار الصدق.
وأمّا الميم فدليل على ملكه وإنّه الملك الحقّ ، لم يزل ولا يزال [ ولا يزول ] ملكه.
وأمّا الدّال فدليل على دوام ملكه ، وأنّه عزوجل دائم متعال عن الكون والزوال ، بل هو عزوجل مكوّن الكائنات ، الذي كان بتكوينه كلّ كائن » .
ثمّ قال عليهالسلام : « لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدّين والشرائع من الصّمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي أمير المؤمنين عليهالسلام حملة لعلمه ، حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّ بين الجوانح منّي علما جمّا ، هاه هاه ، ألا لا أجد من يحمله ، ألا وإنّي عليكم من الله الحجّة البالغة » الخبر (٣) .
ثمّ اعلم أنّ ما ذكرناه من الفوائد للحروف المقطّعة مختصّ بالخواصّ ، وهم الراسخون في العلم ، وأمّا فائدتها لعامّة النّاس فهي على ما قيل : إنّ العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه ، فأنزل الله تعالى هذا النظم البديع ليعجبوا منه ، فيكون تعجّبهم منه سببا لاستماعهم ، واستماعهم له سببا لاستماع ما بعده ، فترقّ القلوب وتلين الأفئدة (٤) .
__________________
(١) في التوحيد : لا تتبيّن.
(٢) في التوحيد : في أجسادهم.
(٣) التوحيد : ٩٢ / ٦.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٣١.