.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
أمّا الأوّل وهو إنشاء أحكام بعدد آراء المجتهدين بعد أدائها وهو أحد الوجهين بنظر المصنف في التصويب المعتزلي ، فيكفي في بطلانه في نفسه مخالفته لمبناهم في التحسين والتقبيح العقليين ، إذ مع الالتزام بكون الملاكات أمورا واقعية لا اعتبارية كيف يفرض القائل بهذا التصويب جعل أحكام متضادة لفعل واحد لمجرد اختلاف آراء المجتهدين؟ والمفروض فعلية كل واحد منها لأداء رأي المجتهد إليه ، فمثل شرب الخمر مما فيه المفسدة الملزمة المقتضية لإنشاء الحرمة كي ينزجر عنها المكلفون كيف ينشأ له الأحكام الخمسة؟ وهل تتمشّى الإرادة والكراهة الجدّيتان في المبادي العالية؟ وهل المفسدة الذاتيّة المعترف بها تصير اعتبارية حتى تتغير باختلاف الآراء؟
وعليه فأصل هذا النحو من التصويب لا يمكن الإذعان به بناء على مبنى العدلية حتى تصل النوبة إلى إبطاله بالإجماع والأخبار المتواترة.
وهذا بخلاف الوجه الثالث ، إذ المفروض أنّ الحكم المشترك بين العالم والجاهل إنشائي ، لأنّ قيام الأمارة على الخلاف يزاحم الملاك الواقعي ويمنع فعليّته ، ولا مزاحم للمصلحة والمفسدة الواقعيتين المقتضيتين لإنشاء الأحكام هذا مع الغض عن الإشكال المتقدم عن المحقق الأصفهاني.
وما أفاده المصنف في تقريره من كون الأحكام واقعية وظاهرية لا يخلو من شيء ، لتعدد الحكمين رتبة ووجودا فكيف يكون كل منهما فعليّا؟
وأمّا الثاني ـ وهو التصويب الأشعري ـ فقد عرفت استحالته ، لبرهان الدور والخلف.
وللمحقق الأصفهاني (قده) إيراد آخر عليه بعد مناقشته في المحذورين المتقدمين ، قال : «وأمّا بالإضافة إلى الملتفت إلى أنّه لا حكم قبل العلم والظنّ ففيه محذور ، فان من يعتقد أنّه لا حكم له قبل اعتقاده به كيف يعقل منه اعتقاد الحكم؟ لأنّه من اجتماع النقيضين ، وجعل الحكم المبني عليه محال ، لأنّ المبني على المحال محال» (١).
ومحصله : أنّ التصويب بمعنى تبعية جعل الحكم للاعتقاد محال ، لترتبه على اجتماع النقيضين المستحيل ، حيث إن هذا القائل إمّا لا يعتقد بالحكم لا علما ولا ظنا ، وإمّا يعتقد بعدم الحكم قبل الاعتقاد ، فعلى الأوّل لا موضوع للحكم ـ وهو الاعتقاد بالحكم ـ كما لا حكم أيضا تبعا له ، ولا كلام على هذا الفرض.
__________________
(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٩٧