وعظ الواعظون ، وذكّر المذكّرون ، وحذر المحذّرون ، ورغّب المرغّبون ، لأن الأفعال لو كانت من قبله تعالى كما زعم المخالفون لما كان لذلك وجه يعلم ، ولا معنى يفهم ؛ لأن ذلك يكون عبثا لأنهم إن أمرونا بفعل الله فقد كلّفونا شططا ، وإن نهونا عن فعله فقد تعدّوا علينا عدوانا مبينا ، فتأمل ذلك موفقا.
وأما قوله تعالى : (اللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦] فالمراد بذلك وما تعملون فيه خلاف مراده كنحتهم لأصنامهم وعبادتها ؛ فكأنه قال تعالى : هو الذي خلقكم وخلق الخشب والحجارة الذي صنعتموه وجعلتموه ربا لكم من دون خالقكم فبئس للظالمين بدلا ، وإلا لو كان خلق العبادة والنحت في الخشب والحجارة لما نهى عنه وذم عليه ، وقد قدمنا الكلام في قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢].
فأما قوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢] (١) فهذه خاصة في أفعاله تعالى من الأجسام والأعراض الضرورية التي لا يقدر عليها سواه كالروائح ، والطعوم ، والألوان ، والحرارة ، والبرودة ، وما شاكل ذلك ، وكالحيوانات ، والجمادات وما فيها من الآثار العجيبة والتقدير البديع ؛ فأما الفواحش ، والمخازي ، والزور ، والعدوان ، والظلم ، والكذب فأي تقدير فيه ، وأي حكمة في فعله وفاعله مذموم ، ولو قيل لمضيف هذه الأفعال إلى الله سبحانه : يا كاذب ، يا سارق ، إلى غير ذلك لأنف على نفسه ، فكيف يرضى بإضافة ذلك إلى ربه ويحسنه له عقله ولبه!! هل هذا إلا الزيغ العظيم والضلال البعيد!!
__________________
(١) في الأصل : كل شيء قدرناه تقديرا.