وقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢] (١) يريد من فعله لأنه تعالى لا يفعل إلا الحكمة ، وسواء كانت مشتهاة أو منفورا عنها.
فأما قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] فذلك في قصة أهل بدر ، ولما كان الغالب على أمر قريش القوة والاستظهار ، وكان أصحابه صلىاللهعليهوآلهوسلم في نهاية من الضعف ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران : ١٢٣] أضاف القتل إليه لتأييده تعالى لهم بالملائكة عليهمالسلام ، والفعل مضاف إليه تفخيما للحال ، وتعظيما للأمر ، كما يقال : السلطان قتل بني فلان وإن كان جنده قاتليهم ؛ فلما وقع قتل المشركين بتأييد الملائكة وقذف الرعب في قلوبهم أضاف الأمر إلى الله تعالى ، وكذلك في قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] فلأن الرمي وقع على وجه لا يدخل تحت مقدور العباد ، لأنه رمى بكف من حصى وتراب فما بقي رجل إلا دخل من ذلك في عينه شيء فكان المتولي لذلك.
وأما حركة كف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد كانت منه ، ولهذا قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [الأنفال : ١٧] فأضاف الرمي إليه الذي دخل تحت مقدوره ونفى عنه ما عدا ذلك ، فتأمل ذلك تفهم معناه ، موفقا إن شاء الله تعالى.
قال : وأما ما يذكرون من نسبتها إليهم بآيات من القرآن الكريم قال : فذلك على سبيل المجاز.
اعلم : أن الجواب عن هذا أن الحاجة ماسة للسائل على معرفة الحقيقة والمجاز حتى لا يتعدى في المجاز فيجعله حقيقة ولا يطغى في الحقيقة فيجعلها مجازا ، فالجهل بذلك سبب لضلالة كثير من الناس.
__________________
(١) في الأصل : كل شيء قدرناه تقديرا.