الجواب عن ذلك : أنه لا بد لنا من مقدمة نبين فيها معنى الضلال والهدى والإغواء فنضيف إلى الباري تعالى من ذلك ما يليق به جل وعلا.
أما الضلال فله معان منها : الذهاب ، والتقطع ؛ كما قال تعالى حاكيا عن المشركين: (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١) [السجدة : ١] أرادوا إذا ذهبنا وتقطعنا.
ومنها : العذاب كما قال تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) [القمر : ٤٧] يريد عذابا ونارا ، لأنه لا تكليف هنالك فيقع فيه ضلال المعصية والصدود عن الدين.
ومنها : الإغواء عن الدين والصدود عن الرشد ، كما قال تعالى : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩] ، وقال : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) [طه : ٨٥] إلى غير ذلك.
وأما الهدى : فعلى وجوه أيضا منها : بمعنى الثواب ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [محمد : ٤ ، ٥] ، ولا تكليف بعد القتل فتكون الهداية إلى الدين ، وإنما هداه لهم ثوابهم ، وبمعنى : نصب الدلالة وإيضاح العلم ، كما قال تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧].
ومنها : زيادة التوفيق والتسديد كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] ، والغوى بمعنى الهلاك ، ومنه قولهم : غوى الفصيل إذا كثر عليه اللبن فهلك من ذلك ، وغوى : بمعنى مفارقة سبيل الحق وخطأ طريق الرشد.
وأما الفتنة : فقد تكون بمعنى العذاب كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
__________________
(١) في الأصل : إذا ظللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد.