فتنتك : محنتك تضل بها المستحق لها معناه يعذبه ، ويهدي بها التائب المتذكر معناه يثيبه ، كما قال تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة : ١٢٦] ، معناه : يمتحنون.
وقوله : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [النحل : ٣٧] ، معناه : إن تحرص على ثوابهم قال الله سبحانه لا يثاب من يعذب لأنه لا يعذب إلا من يستحق العقاب تأديبا لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد منه كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [إبراهيم: ٤] ، هذا إبلاغ منه سبحانه بالحجة على عباده أن يأمر إليهم رسولا على لسانهم لئلا تكون لهم حجة بقولهم : إنا لا نفهم قولك ؛ فجعله بلسانهم مع أن ذلك لم ينجع في أهل الضلالة منهم ، بل حكى عنهم أنهم قالوا : (ما نفقه كثيرا مما تقول) ، ولو كان يريد ما توهمه السائل ما كان لإرساله إليهم بلسانهم معنى.
فأما قوله : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [إبراهيم : ٢٤] ، فالمراد بذلك أنه لما جاء رسول الله بلسانهم وردوا عليه أمره شاء تعذيب المكذبين منهم وإثابة المصدقين وذلك مستقيم.
وقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] ، معنى يهديه هاهنا : يوفقه ويسدده بعد قبوله الهداية الأولى ، فيكون زيادة التوفيق والتسديد ثوابا ، وشرح الصدر توسيعه ، ومن يرد أن يضله يسلبه التوفيق والتسديد عقوبة له على فعله ، يجعل صدره ضيقا حرجا تأكيدا للضيق وإلا فالضيق والحرج معناهما واحد ، والعقوبة يجوز إنزالها بالمستحقين ، ويجوز تقديم شيء منها في الدنيا كما فعل في المستقيمين ، وكذلك الجواب في قوله تعالى : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام : ٣٩] ، معنى يضلله : يعذبه ،