وأما قوله : أفيحب ربنا أن يعصى فهذا مستقيم ؛ لأنه لو أحب معصية لكانت المعصية طاعة لأن الطاعة ما أحب أن تقع من فعلنا.
وأما ما روي من علي بن الحسين أنه قال : أفيعصى ربنا قهرا ؛ إما أن قاهرا قهره حتى عصاه فيما أراد منعه منه فذلك لا يصح لأنه تعالى القاهر فوق عباده ، ولكنه لم يرد قهرا لعباده في دار الدنيا ، وإنما أراد أن يمتحن بعضنا ببعض ، كما قال : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) [الفرقان : ٢٠] ، وقال : (لَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٤٠] ، وهو تعالى غني عن نصرنا ، وقادر على انتقام من عصى بغير أيدينا ، وإنما أراد أن يمتحننا لنفع يعود علينا.
وأما قوله : إن قضى علي بالرديء ، ومنعني من الهدى ، أحسن إلي أم أساء؟ قال : فقال علي بن الحسين : إن منعك شيء هو لك فقد أساء ، وإن منعك شيء هو له ، فالفضل له يختص برحمته من يشاء. فالسؤال مستقيم ، والجواب المضاف إلى علي بن الحسينعليهالسلام غير مخلص ، ولو كان من علي بن الحسين ـ أعني الكلام ـ لكان عليه نور النبوة وعلم الهدى.
وفي قول الراوي : ظلمك شيئا هو لك أم له ، فإن ظلمك شيئا هو لك فقد أساء ، ولا شك أن المعتمد على الله سبحانه بموجب الحكمة أن لا يمنعه عن فعل ما أمره به ، ولا ينهاه عن ترك ما جبره عليه ، ولأن في مقابلة المعصية النار الكبرى التي لا يموت فيها ولا يحيا ، فكيف لا يظلمه إذا جبره على المصير إلى هذا إكراها لغير جرم منه ولا عدوان.
وأما قول الراوي : إنكم آل البيت أهل الحكمة وفصل الخطاب ، فلا شك أن هذه صفة أهل البيت عليهمالسلام ، ولكن من حكمتهم أنهم نزهوا الباري تعالى ، ووصفوه بالصفات العلى والأسماء الحسنى فتأمل ذلك موفقا والسلام.