الجواب عن ذلك : أن مذهب العدلية متقرر على وجوب العوض لكل مؤلم ومغموم إلا أن يكون الألم والغم مستحقان ، ولا فرق بين أن يعم ما يجب فيه العوض الكل ، أو يختص بالبعض ويرى به إسقاط العوض لعمومه للأكثر ، لا وجه له لأنه ما وجب في الأقل من ذلك وجب في الكل للإجماع في العلة الموجبة للحكم ، لأن الله تعالى بريء من الظلم ، فإذا ألم العبد أو غمه كان عاصيا أو مطيعا فلا بد من العوض ما لم يكن ذلك الغم والألم عقوبة فإن كان عقوبة فلا عوض والعوض في النار هو أن يسقط بما يستحق من أجزاء العذاب العقاب بقسطه يعلم وقوعها ولا يجد لذتها ويستوفي فلا يخفف عنه من المستحق بعد المسقط شيء كأن يستحق ألف جزء مثلا فسقط على ألف وقت ويستوفي في العدل الباري سبحانه ولا يجد راحة بصدق وعيده بذكر ما له وهو الثواب فلا شك أنه ليس له من الثواب إلا ما سعى.
وإنما يتحقق الحديث في هذا مع من أثبت الألم والغم من فعل الله سبحانه ، فأما من أنكر ذلك فالكلام معه فيه ، فإذا قد ثبت لزم العوض بدلالة العدل.
وأما قوله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] فهذا دليل خطاب وهو معنى ذلك خاص ، وإن كانت المطرفية لا تنهى فهمهم إلى ذلك ولكن ألجأت الضرورة إلى مجاورتهم لمجاوريهم بدليل الخطاب لا يعتمده المحصلون في فروع الفقه ، فكيف نعتمده في أصول الدين.
وأما أنه خاص فلا ، والمراد به الثواب لأنه قال : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] لا خلاف في ذلك ولم يذكر العوض بنفي ولا إثبات ، ولهذا عقبه بذكر الجزاء ، والعوض هو بمنزلة أروش الجنايات وقيم المستهلكات ، فإنه