الأعراض مخصوصة والحركة والسكون وما شاكلها من أفعال الجوارح وأفعال القلوب ، والباري تعالى خلق الأجسام والأعراض الضرورية.
فأي مشابه بين الخلق والمخلوق بهذا القدر ، وكذلك فإنّا قد أثبتنا الواحد منّا حيا ، والباري سبحانه الحي القيوم ، فلم يقع تشبيه لما كان الباري تعالى حيا لذاته ، والواحد منّا حيا بحياة محدثة وليس الضد يصير مشركا بقول ضده : إنك مشرك ، ولا مشبها بقول خصمه : أنت مشبه ، وإنما يكون ذلك إذا قامت دلالة صحيحة ، لأن الخوارج قد قالت لعلي بن أبي طالب عليهالسلام : أنت كافر وكانت أولى بالكفر منه ، وقال تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [الأحزاب : ٦٩].
وأما قوله تعالى : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [البقرة : ١٦٥] فذلك حق لأن القوة في الأصل على وجهين : أحدهما : القدرة. والثاني : الآلة. قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] [والآلة هي القوة] والسلاح ، ويقول قائلهم : ما لي قوة على هذا أي : قدرة ، فإذا عرفت ذلك علمت أن القوة لله جميعا ، لأنه خالق الآلة والقدرة ، لا يقدر على ذلك غيره سبحانه ، فالقوة لله جميعا ، وقوله تعالى : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص : ٢٦] المراد بالقوي : القادر ومعنى الأمين ظاهر.
وأما قوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] وصدق الله العظيم وأي ضعف أعظم من حاله عند خلقه لا يجلب إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا ، فلما كان كذلك لطف له بالوالدة وعطفها عليه بالرحمة فمهّد له بعضها ، وخلق له الغذاء في بعضها ، وألهمه تناوله ، وألهمها تربيته ، حتى ملك رشده ،