ولو عيّن غير هذه المساجد بالنذر ، تعيّن عندنا ؛ لاشتماله على عبادة ، فانعقد نذره ، كغيره من العبادات .
وقال أحمد : لا يتعيّن بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة ؛ لقوله عليه السلام : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد ) (١) .
ولو تعيّن غيرها بتعيينه ، لزمه المضيّ إليه ، واحتاج إلى شدّ الرحل لقضاء نذره فيه .
ولأنّ الله تعالى ، لم يعيّن لعبادته مكاناً فلم يتعيّن بتعيين غيره ، وإنّما تعيّنت هذه المساجد الثلاثة ؛ للخبر الوارد فيها .
ولأنّ العبادة فيها أفضل ، فإذا عيّن ما فيه فضيلة ، لزمه ، كأنواع العبادة (٢) . وهو أحد قولي الشافعي (٣) أيضاً .
وله قول آخر : إنّه لا يتعيّن المسجد الأقصى ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام ) (٤) (٥) .
وهذا يدلّ على التسوية فيما عدا هذين المسجدين ؛ لأنّ المسجد الأقصى لو فُضّلت الصلاة فيه على غيره ، للزم أحد أمرين : إمّا خروجه من عموم هذا الحديث ، وإمّا كون فضيلته بألف مختصّاً بالمسجد الأقصى .
وليس بلازم ؛ فإنّه إذا فُضّل الفاضل بألف فقد فُضّل المفضول بها أيضاً .
وقد بيّنّا أنّ النذر عندنا يتعيّن به ما يعيّنه الناذر من المكان كالزمان ، والتعيين وإن كان بالنذر لكن لمّا أوجب الله تعالى ، الوفاء بالنذر ، كان التعيين
__________________
(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٣) .
(٢ و ٣) المغني ٣ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٣ ـ ١٣٤ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ / ١٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٠ / ١٤٠٤ .
(٥) المغني ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٤ .