فأوكله الله الى نفسه وذهب بنوره ويدل على ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) [سورة الحديد ، الآية : ١٣] ولهذا النور مقام عظيم سيأتي البحث عنه في الآيات المناسبة له.
قوله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ). أي صيرهم في الظلمات لا يبصرون شيئا ، ويستفاد من حذف المتعلق وسياق الآية الشريفة أنّ الله تعالى اذهب جميع مراتب النور عنهم في الدنيا والآخرة بل سلب جميع الكمالات الإنسانية فلا يرجى منهم خير.
وإنما قال تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل اذهب الله نورهم لفرض انهم باختيارهم اختاروا الظلمة والعمى فنسب تبارك وتعالى إذهاب النور إلى نفسه لأن الجميع منتسب إليه تعالى بواسطة الأسباب الحاصلة باختيارهم.
قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ). أي : لا يرجعون عن الضّلالة الى الهداية لأنه طبع على حواسهم وختم على قلوبهم (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩] والمراد من هذا المثل أن المنافقين لم يشعروا بما يفعلون فهم بمنزلة الأعمى الأصم الأبكم لأنهم تمادوا في الغي والضلالة.
قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ). الصيب اسم من أسماء المطر ، ويمكن أن يراد به السحاب لأنه يصيب الفضاء. والرعد هو صوت السحاب ، والبرق هو الضوء اللامع في السحاب. والصاعقة هي النّار العظيمة النازلة من السماء فتصعق ما تنزل به.
ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية الشريفة أربعة من كائنات الجو وهي : الصيّب ، والرعد ، والبرق ، والصاعقة وتقدم معانيها. وأما حقيقتها