يأتي تفصيله في قوله تعالى : (إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢١].
(الرابع) : أن يكون سببه من الأسباب الغيبية الإلهية فكما أن نظم طبيعي العالم بمجرداته وأعراضه وجميع مادياته لا بد وأن يكون مورد إرادته المطلقة وتحت قيّوميته التامة كذلك تكون تلك الإفاضات المفاضة على الحيوانات ـ التي لا تحصى أنواعها فضلا عن أفرادها ـ بجلب منافعها ودفع مضارها وتوليد المثل ، بل صدور بعض الأفعال الجميلة كما قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٦٨] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على ذلك ، وكذا في النباتات من إيحاء جلب المنفعة ودفع المضرة وإيجاد المثل. والإعجاز بنفسه أيضا يكون من هذا القسم فهو من فعله تعالى في أفراد خاصة من الإنسان إقامة للحجة على الجميع وارتباطا لعالم الشهادة بعالم الغيب ، فكما أنّ الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له : (كُنْ فَيَكُونُ) بلا سبب في البين أصلا إلّا الإرادة التامة المقدسة ، جعل سبحانه لأنبيائه المعجزات ولأوليائه خوارق العادات بهذا المعنى لمصالح كثيرة.
والفرق بين ما أراده لنفسه وما جعله لغيره من جهات :
الأولى : أنّ الأول لنفسه من نفسه ، والثاني من غيره لغيره.
الثانية : أنّ الأول غير محدود بحد خاص أبدا ، والثاني محدود بخصوص الحد المفاض إليه فقط.
الثالثة : الأول واجب نظامي صدر عن الواجب بالذات ، والثاني واجب نظامي صدر عن الممكن بالذات فعلا وذاتا. وحينئذ يكون قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [سورة الأنفال ، الآية : ١٧] لا يختص بخصوص الرمي فقط بل هو جار في جميع معجزات الأنبياء وخوارق عادات الأولياء لأنّ إبراز المعجزة وخارق العادة على أيديهم له دخل في نظام التكوين ، كما أنّ التشريع كذلك بل هو غاية نظام التكوين.