شايع في المحاورات والمخاصمات العرفية من قديم الأعصار خصوصا في الجاهلية ، وتشهد لذلك معلقاتهم على باب الكعبة فإنها كانت للتحدي لإظهار ما يفتخرون به في الفصاحة والبلاغة فجاء القرآن وأبطل ذلك وأتم الحجة عليهم بما كان شايعا لديهم.
فمعنى التحدي دعوة الخصم إلى الإتيان بما أتى به المدعي وبعد ثبوت عجزه باعترافه ثبتت دعوى المدعي لا محالة. فما نسب إلى بعض من أن الله تعالى أعجزهم عن ذلك وصرفهم عن التأمل حوله. مردود : بما عرفت سابقا ولا ريب في عجز ما سواه تعالى عن الإتيان بالقرآن وإنما جيء بالجمل الشرطية لإظهار العجز والتوبيخ وإتمام الحجة وغير ذلك من الدواعي.
إعجاز القرآن :
وجوه إعجاز القرآن كثيرة ومتعددة بل هو من جميع الجهات لأن قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الاسراء ، الآية : ٨٨] خطاب عام لجميع أفراد الإنس والجن بما فيهم من العلماء وارباب علوم شتى وفنون كثيرة فلا بد وان يعم الجميع بما هم كاملون ومخترعون فيه. وبعبارة أخرى : أن دعوة المبارزة والتحدي بالإتيان بالمثل دعوة إلى العقل الإمكاني من حيث هو كذلك وقد ثبت عجزه عن الإتيان بمثله.
وأما الإشكال بأنه لا وجه للتحدي بهذا التعميم ، ثم لا وجه للتحدي من كل شيء. فهو مردود : بأن في القرآن آيات كثيرة دالة على كماله من جميع الجهات قال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [سورة النحل ، الآية : ٨٩] ، وقال تعالى : (لا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٥٩] ، ثم قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سورة سبأ ، الآية : ٢٨] فلا بد وأن يكون التحدي عاما من جميع الجهات ومن كل جهة يشمل المتحدى به على الدعوة من تلك الجهة وإلّا لما تمت الحجة كما هو معلوم ، فكل شيء فيه جهة حسن وكمال للفرد أو المجتمع في الدنيا أو النشآت الأخرى يكون القرآن معجزة فيه من حيث بيانه والاستكمال