الحق أنها من صفات الفعل فتكون حادثة بحدوثه ، بل إرادته عين فعله ، كما في الروايات. وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
الثالث : أن العلم الإلهي متعلق بجميع ما سواه من الممكنات ومنها أفعال العباد سواء منها في الدنيا أم في الآخرة الذي لا انتهاء لأفعاله وعلمه سبب تام لحصول المعلوم.
والجواب : إن العلم من مقدمات حصول الإرادة المتقدمة على الفعل وليس سببا تاما لحصول المعلوم بوجه من الوجوه بل علمه تعالى تعلق بأفعال العباد من حيث أنها مختارة لا ان يتعلق العلم بأحد طرفي الاختيار فقط.
ثم إن أسباب الفعل هي : العلم ، والمشيئة ، والإرادة ، والقدرة والقضاء ، والإمضاء ونحوها. وهي جارية في كل فعل صادر من كل عالم قادر سواء أكان هو الله تعالى أم العبد. والفرق بين المشيئة والإرادة بالكلية والجزئية ، وكل ذلك من المقتضيات وليست من العلة التامة في شيء ، وهذه كلها في العبد تكون تارة التفاتية تفصيلية ، وأخرى على نحو الإجمال والارتكاز وهو الغالب ، وسيأتي تفصيل هذا في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
أما الأدلة النقلية فقد استدلوا بظواهر من الآيات المباركة تؤيد مذهبهم ، منها قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [سورة الصافات ، الآية : ٩٦] ، وقوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٤] ، وقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [سورة الأنفال ، الآية : ١٧] وأمثال ذلك من الآيات.
ويناقش فيها بوجهين :
الأول : أنها معارضة بآيات أخرى أكثر عددا وأصرح دلالة على اختيار الإنسان في أفعاله كما ستعرف.
الثاني : أن سياق تلك الآيات والقرائن المحيطة بها تدل على أن المراد منها غير ما ذهبوا اليه فنفي الرمي عن النبي (صلىاللهعليهوآله) في الآية السابقة ـ مثلا ـ إنما هو بالنسبة إلى الأثر الخارق للعادة ، لا بالنسبة إلى الفعل