[سورة الطور ، الآية : ٢١]. وقسما منها تدل على أن المطيع يثاب على أعماله الحسنة والمسيء يعاقب بمعاصيه ، قال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر ، الآية : ١٧] ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الجاثية ، الآية : ٢٨] ، وقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠]. وقسما منها تدل على أنه مختار في أفعاله قال تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [سورة الكهف ، الآية : ٢٩]. وقسما منها تدل على اعتراف الإنسان بصدور المعاصي منه في الآخرة ، قال تعالى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٢٢] إلى غير ذلك من الآيات الدالة منطوقا أو مفهوما على أن الإنسان خالف لأفعاله وأنه المسؤول عنها.
والجواب عن ذلك أنّ أقصى ما يستفاد منها أن الإنسان هو الفاعل وعنه يصدر جميع أعماله وأما أنه ليس لإرادته تعالى وقدره وقضائه دخل فيها فلا يستفاد منها ، فهي من هذه الجهة معارضة بالآيات الدالة على أنها من الله عزوجل قال تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة النساء ، الآية : ٧٨]. والآيات الدالة على طلب الاستعانة منه تعالى نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [سورة الحمد ، الآية : ٤]. ولما ورد عن المعصومين (عليهمالسلام) من قول : «لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، فإن الجميع ظاهر في صحة نسبة أعمال العباد إلى الله تعالى ، إما بنحو القضاء كما في السيئات ، أو هو والرضاء معا. كما في الحسنات. وقضاؤه ورضاه ليسا من العلة التامة.
وبالجملة : إنّ الآيات والروايات لا يمكن أن يستفاد منها التفويض الكلي للعباد المقابل للجبر ، ويمكن حمل كلامهم على التفويض الاقتضائي بأن يقال : إنّ نهاية استغنائه تعالى عن خلقه يقتضي إيكال الإرادة إلى العباد