الأول : إنما وجه الخطاب إلى النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ليعلم الناس أنّ الغرض الأصلي من خلق آدم إنما هو سيد الأنبياء والرسالة التي جاء بها ، وذلك لأن العلة الغائية مقدمة في العلم وإن كانت متأخرة في الخارج ، كما ثبت بالأدلة العقلية ، ويدل عليه بعض الأدلة النقلية ، فأصل الدعوة هي دعوته (صلىاللهعليهوآله) وإن تعددت الدعاة إليها وتفرقوا في سلسلة الزمان ، ويأتي شرح ذلك عند قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨]. وفيه تسلية له (صلىاللهعليهوآله) بما رأى من الحوادث الواردة على أبيه آدم ، ليصبر على ما يراه من كيد المشركين.
الثاني : إنما قال سبحانه ذلك للملائكة ثم بينه للناس لجهات ؛ منها : إظهار فضل آدم للملائكة ، وتعريفه لهم ، وإعلامهم بمقامه بأن له الخلافة في الأرض.
ومنها : إظهار ما هو المكنون في نفوس الملائكة على أنفسهم ليعترفوا بذلك بالعجز والقصور.
ومنها : الإعلام بأن صنع هذا المخلوق الجديد كان بمباشرته عزوجل بلا مداخلة أحد غيره فيه.
ومنها : بيان أن ليس للإنسان معرفة حقائق الأشياء ، وأسرار الخليقة وحكمها ، فإن الملائكة مع رفعة شأنهم قد عجزوا عن ذلك.
ومنها : أن هذه المحاورة كانت تلطفا منه عزوجل وجبرا لما انكسر من نفوسهم حيث صنع الله الخليفة من الطين الذي هو دونهم بمراتب.
ومنها : إرشاد النّاس إلى المشاورة بينهم في أمورهم ، وأن المشاورة لا تنقص الفرد وإن عظم شأنه ، كما قال تعالى مخاطبا لنبيه (صلىاللهعليهوآله) : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩].
كما أنه أعلمنا بأنه قد رضي لخلقه أن يسألوه عما خفي عنهم.
قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). الجعل هو الفعل