والمبالغة في ترك الأكل من الشجرة ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٢٢].
ويمكن أن يكون النهي عن نفس القرب موضوعية خاصة ، لأن من يقترب إلى المبغوض يوشك أن يقع فيه كما قال علي (عليهالسلام) «المعاصي حمى الله ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيها».
ولم يبين سبحانه الشجرة التي نهى آدم (عليهالسلام) عنها ، وقد اختلفت الروايات في تعيينها ، وتفاوتت أقوال المفسرين فيها بين الإفراط والتفريط ، فعن بعض أنها شجرة الكافور ، وعن آخر أنها السنبلة ، وعن ثالث أن البحث عنها لغو لا فائدة فيه. فإن كان مستند هذه الأقوال الروايات الواردة في المقام فهي قاصرة سندا ، ولم يحرز كونها لبيان الواقع ، وإن كان غيرها فلم يعلم حجيته.
نعم ، في بعض الأخبار أنّها من شجرة الخلد ، وهو مخالف لما في أخبار أخرى تدل على أنّ الجنّة من جنات الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ـ كما سيأتي ـ وتقدم شرح ذلك.
ويمكن أن يقال : إنّها كانت مثالا لحقيقة الدنيا ، فإنّها تظهر لأنبياء الله تعالى وأوليائه بأشكال مختلفة ، فتارة : في صورة الامرأة كما ظهرت لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في ليلة المعراج وظهرت لعلي (عليهالسلام) ، وأخرى : ظهرت لآدم (عليهالسلام) وحواء في صورة الشجرة وقد نهى الله عن قربها ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (فَتَشْقى) [سورة طه ، الآية : ١١٧] أي تقع في تعب الدنيا ، كما أن التأمل في مجموع الآيات والروايات الواصلة إلينا في قصة آدم (عليهالسلام) تدل على أن النهي عن الدنو إلى الدنيا والاقتراب منها لذلك لا سيما لمن اتصف بالخلافة الإلهية ، وسيأتي في البحث الروائي تتمة الكلام.
وكيف كان فإن النهي كان لمصالح كثيرة منها : الإشارة إلى أن الإنسان لم يخلق للبقاء في تلك الجنة ، بل خلق للأرض ، وفي الأرض ومنها ، كما عرفت ، فلا بد وأن تقع هذه المخالفة وكم كانت لها فوائد وآثار لآدم