يأمر. أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ؛ ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ولو لم يشأ لم يأكل».
أقول : بيان مثل هذه الأخبار يحتاج إلى شيء من الشرح والتفصيل موكول إلى محله. المعروف بين العلماء أن الإرادة إنما هي الشوق المؤكد الحاصل بعد التصور والتصديق ، وهذا في إرادة المخلوق واضح لا ريب فيه ؛ وحيث إن هذا المعنى في الذات الأقدس الربوبي يستلزم كون الذات محل الحوادث وهو ممتنع ، ولذا جعل الأئمة الهداة (عليهمالسلام) الإرادة بجميع مقدماتها من صفات الفعل لا الذات وصرحوا بأن المشية والإرادة محدثة ، وبذلك تنحل جميع الإشكالات الواردة على إرادته تعالى التي وقع الفلاسفة في اضطراب عظيم في الجواب عنها ، لأنهم ذهبوا إلى أن الإرادة في مرتبة ذاته الأقدس والاختلاف بين الصفات إنما يكون في المفهوم دون المصداق. ولعلنا نتعرض لمذهبهم والجواب عنه في الموضع المناسب.
وعن جمع من أكابر المحققين إرجاع الإرادة فيه عزوجل إلى الرضاء ، وابتهاج الذات بالذات ، وفصل القول في ذلك ، وهذا القول وإن كان حسنا ثبوتا ، ولكن لا ربط له بالإرادة ، ويحتاج إلى تكلف وعناية.
ثم إنّ الإرادة إما تكوينية أو تشريعية ، فإن تعلقت بفعل ذات المريد فهي تكوينية ، وإن تعلقت بفعل الغير وكانت كإيجاد الداعي لأن يفعل الغير ذلك الفعل بحيث لو لا هذا الداعي لا يفعله تكون تشريعية. فتكون إرادته تعالى بالنسبة إلى النظام الأتم الأكمل من الأولى ، وبالنسبة إلى إنزال الكتب وإرسال الرسل من الثانية ، هذا بحسب الظاهر ، وأما بحسب الواقع والحقيقة فالثانية ترجع إلى الأولى ، فإن من أحسن النظام وأتمه وأكمله في عالم التكوين إنزال الكتب وإرسال الرسل.
وأما قوله (عليهالسلام): «أمر الله ولم يشأ» فالمراد بالأمر الأمر التشريعي الظاهري ، والمراد بمشية العدم المشية التكوينية الاقتضائية كما أن المراد بنهي آدم (عليهالسلام) النهي الإرشادي الظاهري والمراد بمشية الأكل المشية التكوينية الاقتضائية ، وفي كل ذلك مصالح لا تعد ولا تحصى.