لأنفسهم مع أن المنسوب إليه كنفس المنسوب والنسبة في معرض الهلاك والزوال فأثبت القرآن للنّاس إضافة تشريفية إلى الله تبارك وتعالى الذي لم يزل ولا يزال وتبقى الإضافة إليه كذلك أيضا فقرر ما هو المألوف لديهم بلفظ آخر وهو البسملة ، كما في قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٠] ومنه يعلم أهمية البسملة فإن فيها إضافة إلى الرحمن الرحيم الأزلي الأبدي ولهذا وردت أخبار تؤكد على الابتداء بها في جميع الأمور كما سيجيء في البحث الآتي ، فإذا قال العبد المؤمن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يكون من مظاهر رحمته تعالى من جهتين جهة التلفظ بالقول وجهة الذات فإن ذاته من مظاهر رحمته. كما عرفت.
ثم إنّ الاسم ما أنبأ عن المسمّى وهو تارة يكون ذات المسمّى وأخرى : جوهرا موجودا خارجيا وثالثة : عرضا كذلك. والكل يصح بالنسبة إليه تعالى فمن الأول ما ورد في الأثر عن علي (عليهالسلام) «يا من دل على ذاته بذاته» فاتحد فيه تعالى الدال والمدلول واختلف بالاعتبار ومثله كثير. ومن الثاني أنبياء الله وأولياؤه الذين جاهدوا في الله ، وفي الحديث : «نحن اسماء الله الحسنى» ، بل عن بعض الفلاسفة المتألهين : «إن جميع الموجودات تحكي عن جماله وجلاله». ومن الثالث الأسماء اللفظية التي تطلق عليه تعالى ويأتي في المواضع المناسبة تتمة الكلام.
والمعروف أنّ أسماءه تعالى توقيفية لا يجوز إطلاق اسم عليه تعالى لم يرد في الشريعة المقدسة إطلاق به عليه ، وإن أمكن ذلك عقلا ، فلا يجوز اطلاق المادة والصورة عليه تعالى لامتناعه عقلا وعدم الورود شرعا ، كما لا يجوز إطلاق العلة عليه تعالى لعدم وروده شرعا وإن أمكن عقلا.
وأما الخالق والجاعل وسائر مشتقاتهما فقد أطلقا عليه شرعا وهو صحيح عقلا أيضا ، كما أنّه لم يعهد اطلاق اللقب والكنية عليه تعالى لأجل أمور يأتي التعرض لها ، وإن قيل إنّ الرحمن بمنزلة اللقب له تعالى ، ولكنه لم أظفر بما يعضده من خبر يدل على ذلك.