فقال : بلى. قال : فما معنى قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)؟ قال : إن الله تعالى قال لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ). وأشار لهما إلى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين ، ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ، ولا مما كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ، ولم يأكلا منها ، وإنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما ، وقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة. وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما أن تأكلا منها إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ، ولم يكن آدم وحواء شاهدين قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا ، فدلاهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله ، وكان ذلك من آدم قبل النبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار ، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم ، فلما اجتباه الله وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله عزوجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) ، وقال عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ).
أقول : مثل هذه الروايات الواردة عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) خصوصا مولانا الرضا (عليهالسلام) في الجواب عن الإشكالات التي أوردت على عصمة الأنبياء (صلوات الله عليهم) لا يختص بأن يجيب بها الإمام (عليهالسلام) ، بل يمكن أن يجاب بكل وجه صحيح يجمع به بين الأدلة الدالة على العصمة ، ومثل هذه الآيات الموهمة للتنافي بينها وبين العصمة ، ولنا أن نجيب عن الإشكال في هذا المجال بكل ما يقبله الطبع السليم والذهن المستقيم. ولكن في رواية ابن الجهم جهات من البحث :
(الأولى) : في سند الحديث علي بن محمد بن الجهم وقد ضعفه كل من تعرض له فلا اعتبار بمثل هذا الحديث ، وسياق المتن يدل على أنه ليس من الإمام (عليهالسلام) ، خصوصا من مثل مولانا الرضا (عليهالسلام) ، بل هو من المفتعلات عليه.
(الثانية) : قوله : «وإنما أكلا من غيرها» مخالف لصريح الآية المباركة