الدالة على أن الأكل كان من نفس الشجرة المنهي عنها ، كما تقدم.
(الثالثة) : قوله : «وكان ذلك قبل النبوة» مخالف لإجماع أهل البيت والإمامية من عصمة الأنبياء مطلقا ، كما سيأتي في البحث الكلامي فلا بد من طرح الحديث.
وعن أبي الصلت الهروي في الأمالي قال : «لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليهالسلام) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد حتّى ألزم حجته كأنه ألقم حجرا ، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال : بلى. قال : فما تعمل بقول الله عزوجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) ـ إلى أن قال ـ فقال مولانا الرضا (عليهالسلام) : ويحك يا علي اتق الله ، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأول كتاب الله عزوجل برأيك ، فإن الله عزوجل يقول : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). أما قوله عزوجل في آدم : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه ، وخليفته في بلاده لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عزوجل ، فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ).
أقول : وهذا الحديث شاهد لما قلنا في الحديث السابق وقوله : «فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفته في بلاده» ظاهر بل ناص في عدم صدور المعصية منه من حين نفخ الروح فيه كما تدل عليه نصوص مستفيضة أن أول ما خلقه الله عزوجل هو الحجة ، وآخر من يذهب من الدنيا هو الحجة.
وأما قوله : «وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض» تقدم ما يتعلق به من أنه ليس من النهي الموجب للمعصية الاصطلاحية وإنما هو ارشاد إلى عدم وقوعه في متاعب الدنيا ومشاقها ، كما مر.