الخيرات ، وقضاء الحاجات أو الاتصاف بالأخلاق الفاضلة ونحو ذلك ، لا على وجه القهر والإلجاء والضرورة ، بل على نحو إيجاد الداعي إليها.
ثم إنهم استدلوا بأدلة كثيرة على عصمتهم مطلقا لا يخلو بعضها عن المناقشة ، أو رجوع بعضها إلى الآخر. وأحسن تلك الأدلة أمران :
(الأول) : أن حجية القول والفعل والتقرير ـ كما هو المفروض ـ تنافي ارتكاب المنهي عنه عند الله تعالى وعند العباد فيكون ذلك خلقا باطلا بالضرورة.
بيان ذلك : إن العبد إذا كان يرى نفسه حاضرا بين يدي المولى ويحس بشهوده ظاهرا وباطنا كيف تصدر عنه المعصية وهو في هذه الحالة في غيبة منه؟! ورسل الله تعالى يدركون بصفاء طينتهم أنّهم دائما في حضرة القدس يرون مظاهر جماله وجلاله وآثار حكمته ورحمته فلا يخطر في بالهم حالة أنهم في غيبة عن الله تعالى فيها. وهذا معنى ما ورد في أحاديثنا : «إن المعصوم مع القرآن والقرآن معه» فإن المراد بالمعية هي المعية الحضورية الالتفاتية العملية. كما أن المراد بالقرآن جميع الشرائع الإلهية بالنسبة إلى الأنبياء السابقين.
هذا مضافا إلى أن صدور المعصية يوجب تنفر الطباع منهم ، ويصغر شأنهم في أعين الناس ، ويسهل اعتراضهم عليهم مما ينافي حكمة بعث الأنبياء والرسل (عليهمالسلام) ، بلا فرق بين صدور المعصية قبل البعثة أو بعدها ، كما هو المشاهد في من وصل إلى مرتبة من العدالة.
(الثاني) : الآيات القرآنية الدالة على طهرهم وقداستهم وتأييدهم بروح القدس ، واتصافهم بجميع الأخلاق الفاضلة مما يجعلهم القدوة الحسنة والمثل الأعلى لجميع الناس ، قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [سورة الأنعام ، الآية : ٩٠] ، وقال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٢] ، وقال تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩٠] إلى غير ذلك من