الأول : أنّ الكمال في الآخرة وعدمه فردي فقط ، فصاحب العمل الصالح له مقام خاص به يختلف باختلاف مراتب العمل من دون أن يكون في البين تسبب أسباب ، وتهيئة أمور فيها ، لكونهما في الدنيا ، ويظهر أثرها في الآخرة.
الثاني : أنّ فيها تنحصر الملكية والمالكية والملك في الله تعالى فلا ملك إلّا له ، ولا مالك إلّا هو ، ولا ملك إلّا وهو قائم به عزوجل فتنقطع بذلك الأسباب والمسببات الاختيارية وغيرها ، بل هو تعالى كذلك في جميع العوالم ، إلّا أنه جرت إرادته الكاملة على تسبب الأسباب الظاهرية ، ليجري النظام الأحسن على أكمل الوجه ، وأتم الحكمة. نعم باب الشفاعة مفتوح ، لكنه محدود بحدود خاصة ، كما ستعرف فلا حكم إلّا حكمه ولا ملك إلّا ملكه ، فقياس الآخرة على الدنيا كما تراه بعض الأمم ـ منهم اليهود ـ حيث يتوهمون دفع المكروه والعذاب عن النفس بالفداء ، أو الشفاعة ، أو مناصرة بعض له ، أو دفن بعض الأثاث لينتفع بها في مهماته الأخروية كما كان ينتفع بها في الدنيا ، كل ذلك باطل ، فإن في الآخرة تنقطع الأسباب إلّا سبب واحد وهو العمل الصالح في الدنيا ، قال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [سورة الشعراء ، الآية : ٨٨].
(إن قيل) : تدل الأخبار الكثيرة على أنه يلحق بالميت كل خير يهدى اليه من دار الدنيا حتّى أنه قد يكون في ضيق فيوسع الله عليه بذلك كما يأتي.
(قلت) : فرق واضح بينهما ، فإن ما يلحق بالميت من الصدقات والخيرات إنما يصرف في سبيل الله تعالى فيصل ثوابها اليه لا محالة لا أن ينتقل نفس المال إلى الميت ، ودفن المال والسلاح لا يستفيد منه الميت على فرض أن الله تعالى يعيده في الآخرة.
نعم ، ورد في بعض الروايات أن الشهيد يدفن بثيابه ولا ينتزع منه شيء ، قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في شهداء بدر : «زمّلوهم بدمائهم فإنهم يبعثون معها يوم القيامة» وذلك لأنه رمز الحياة الأبدية والنعمة السرمدية فلا تزال تبقى معه أبدا.