قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ). لأنّ أصل الشفاعة منوطة بإذن الله تعالى ، وقبولها إنما يكون منه تعالى ، قال عزوجل : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [سورة طه ، الآية : ١٠٩] ، لأن جميع موجبات الشفاعة التي فصلت في الكتاب والسنة الشريفة من مظاهر إرادته ورضاه. فيظهر التوحيد العملي حينئذ بجميع مظاهره وشؤونه ويضمحل الشرك بجميع معانيه. ولا منافاة بين نفي الشفاعة في مورد وإثباتها في آخر لأن في القيامة مواقف ، وعقبات ، وحالات ، ويأتي البحث عن الشفاعة في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥].
قوله تعالى : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ). العدل : بمعنى الاستواء والمماثلة ويختلف باختلاف الجهات ، فيقال : هذا عادل : أي : متشبث بدينه. وهذا عدله أي مثله في جهة من الجهات ، سواء من جنسه أو من غير جنسه ، وقد يفترق بفتح العين في الأول وكسره في الثاني قال تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [سورة المائدة ، الآية : ٩٥] أي ما يساويه في جهة التكليف ، وقال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «بالعدل قامت السموات والأرض»أي بالتساوي في الجهات التكوينية التي لا يعلمها إلّا الله تعالى والجهات الاختيارية التي أمر الله تعالى بها عباده.
والمراد بالعدل هنا الفدية ، قال تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ) [سورة الحديد ، الآية : ١٥] أي لا فداء من أحد لأحد يوم القيامة إن استطاع أن يأتي بالفدية ، وكذا لا توبة هناك ، قال تعالى : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) [سورة الفرقان ، الآية : ١٩] والصرف هو التوبة.
قوله تعالى : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ). النصرة بمعنى المعونة والتقوية أي : لا أحد يمنعهم من العذاب ، لأن النصرة منحصرة بالله تعالى وبالعمل الصالح وهما خالصان للمؤمنين ، لانقطاع النصرة عن جميع الممكنات وانحصارها في الواجب بالذات ، قال تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الروم ، الآية : ٤٧] ومن بعد عنه تعالى فقد حرم نفسه عن