للصاعقة الموجبة للموت والبعث بعده ، بل قال تعالى في حقه (عليهالسلام) (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٣] ، وسيأتي التفصيل في سورة الأعراف.
قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). البعث بمعنى الإثارة والإرسال والتوجيه. وقد استعملت مادته في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، ويجمع جميع هذه الاستعمالات أحد أمور ثلاثة :
أحدها : الإيجاد من العدم إلى عالم الدنيا ، كقوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) [سورة المائدة ، الآية : ٣١] ، بناء على أنه أول غراب بعث من العدم إلى الوجود ، كما هو الظاهر.
ثانيها : الإحياء بعد الإماتة ، كقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [سورة الحج ، الآية : ٧].
ثالثها : البعث إلى المقاصد الصحيحة كبعث الرسل ، قال تعالى : (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٩].
والمعروف بين المفسرين أن الأول مختص بالله تعالى ، ويستعمل الأخيران في غيره أيضا ، لأن بعض أولياء الله تعالى يحيي الموتى ، وأما البعث في الحوائج فهو شايع عند الناس.
أقول : إن اختصاص الأول بالله تعالى منصوص في قوله عزوجل لعيسى (عليهالسلام) : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠] إلّا أن يقال : إنه من تبديل الصورة ، لا الإيجاد من العدم المحض.
والمراد بالبعث هنا المعنى الثاني أي بعثوا بعد الموت لعلهم يشكرون هذه النعمة عليهم ، ولكنهم قابلوها بالكفران.