في موضع أكثر منه بمكة؟ قال : فما هو؟ قال (عليهالسلام) إنما عني الرجال. قلت : فأين ذلك من كتاب الله؟ فقال (عليهالسلام) : ألم تسمع قول الله تعالى : فكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله».
أقول : وعلى هذا لا داعي إلى الحذف والإضمار كما عليه الأدباء وتبعهم جمع من المفسرين ، لأنه مع صحة المعنى الحقيقي لا تصل النوبة إلى المجاز والحذف.
ثم إنّ المراد بالقرية هنا مطلق المدينة ، وهما والبلد نظائر لغة وإن كان قد يفرق بين القرية والبلد عرفا ، فيقال : القرية للمجمع الصغير من الناس ، والقصبة لما هو أكبر منها ، والبلد لما هو أكبر منهما.
ولم يعين القرآن هذه القرية إلّا أن المعروف بين المفسرين أنها كانت بيت المقدس ، وهو المروي عن ابن عباس. وعن بعض أنها أريحا ، وهي من حدود بيت المقدس فيرجع إلى الأول ، ويشهد له قوله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [سورة المائدة ، الآية : ٢١]. وهذه نعمة أخرى منّ بها الله عليهم حيث أباح لهم دخول القرية بعد زوال التيه عنهم ، فيكون الأمر إرشاديا لا تكليفيا وسيأتي تتمة الكلام بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً). الرغد هو السعة والكثرة ، وإطلاقه يشمل السعة في كل شيء كالرغد في أنواع النّعم والرغد في المكان والزمان وغير ذلك في مقابل كل ضيق يفترض.
وحيث إنّ دأب القرآن أنّ آياته المباركة يبين بعضها بعضا فلفظ الرغد وإن ذكر في هذه الآية الشريفة ولم يذكر في سورة الأعراف آية ١٦١ ولكن إذا لا حظنا الآيتين معا يكون كأنه ذكر فيهما معا.
قوله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً). لما أمرهم سبحانه وتعالى بالدخول إلى القرية المقدسة بيّن لهم كيفية الدخول وآدابه ، ولأجل هذا قدم قوله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) على قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ)