بثقل الهمزة في كلام العرب حتّى نسب إليهم (عليهمالسلام): «لو لا أن جبرائيل نزل القرآن بالهمزة ما همّزنا أهل البيت» ، ومنه يظهر حكم تخفيف الهمزة في القرآن كله ، وعليه كلما دار بين قراءة شيء بالهمزة أو بغيرها تكون القراءة بغيرها أولى. وروي أنّ رجلا جاء إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال : «يا نبيء الله ـ بالهمزة ـ فقال : لست بنبيء الله ـ وهمز ـ ولكني نبيّ الله ـ بغير همز ـ». ويأتي النبي بمعنى الطريق ، وسمي الرسول به ، لاهتداء الخلق به كالطريق.
وعلى أية حال النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بلا واسطة بشر ، سواء كانت له شريعة كموسى وعيسى ومحمد (صلّى الله عليهم) ، أم لم تكن له شريعة كيحيى مثلا. والرسول هو الإنسان المخبر عن الله تعالى وكانت له شريعة ، سواء كانت مبتدأة كآدم (عليهالسلام) أم ناسخة كشريعة محمد (صلىاللهعليهوآله) ، وسيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة.
وإنّما وصف الله سبحانه قتل النبيين بغير الحق ، وهو كذلك إذ لا يعقل أن يكون قتل الأنبياء بالحق ، فالقيد ليس باحترازي فهو إما لأجل تعظيم الذنب الذي اقترفوه ، وزيادة الشنعة عليهم. أو من باب تقرير زعمهم واعتقادهم ، يعني مع أنكم تعتقدون ان هذا القتل كان بغير حق فكيف تقدمون عليه مع هذا الاعتقاد ، وقد قتلوا من أنبياء الله تعالى أشعيا وزكريا ويحيى وغيرهم.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). العصيان معروف وهو خلاف الطاعة. والاعتداء تجاوز كل شيء ، ويحتمل أن يكون لفظ الإشارة الثانية في الآية المباركة تأكيدا للأولى فيها ، أي ذلك الذل والمسكنة والغضب كان بسبب عصيانهم لأوامر الله تعالى وخروجهم عن حدود ما أنزله الله تعالى. ويحتمل أن ترجع الإشارة إلى الأخير ، أي أن قتلهم الأنبياء كان بسبب عصيانهم واعتدائهم.
ويستفاد من قوله تعالى : (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) أن الاعتداء صار عادة لهم وطبعا وخلقا لديهم ، وهذا أمر لا يختص باليهود بل كل من استولى عليه العصيان والمخالفة والاعتداء على حدود الله تعالى يستحق غضب الله تعالى