بالقدرة القاهرة الربوبية. ومنه يعلم الوجه في المعجزات الصادرة عن الأنبياء لا سيما نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله).
وهذا مراد جمع من الفلاسفة والمتكلمين وتبعهم بعض المفسرين القدماء من أن المعجزة تجري بأسبابها الطبيعية ، أي أنها تجري في الممكنات الذاتية ، لا الممتنعات بأسبابها الطبيعية الظاهرة لمن جرت على يده المعجزات الخفية على غيره بل غير القابلة للظهور له.
ومع ذلك إنّه تبارك وتعالى سلك في جريان الإعجاز مسلك الأسباب الظاهرية ، حفظا للنظام الأحسن الجاري في الأسباب والمسببات ، فإنه تعالى أبى أن تجري الأمور إلّا بأسبابها ، ولذا كان جريان الماء بضرب الحجر بالعصا ، وحمل مريم ابنة عمران بتمثل الروح الأمين لها وتسبيح الحصى في يدي نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، مع أنه تبارك وتعالى قادر على إيجاد هذه الأمور بغير تلك الأسباب أيضا.
ومما ذكرنا يظهر أنّ جميع القوانين العلمية ، والمخترعات الحديثة وما يلحقها بعد ذلك لا ربط لها بالمعجزة وخارق العادة أصلا ، لأنها تجري وفق قوانين علمية ، أو عملية ثابتة مطردة حاصلة من التجربة بخلاف المعجزة فإنها سنة جديدة لم يألفها الإنسان ، ولا يعرف لها قاعدة مطردة ، وإنما تكون بإذن الله تبارك وتعالى.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
بعد أن ذكر تعالى بعض أحوال اليهود وتعداد النّعم عليهم وكفرهم وعنادهم عن الحق شرع في بيان أحوال المؤمنين من اليهود والنصارى والصابئين الذين عملوا الصالحات ، وما وعدهم بجزيل الأجر.