إلى صانع العالم ، وهذه هي الفرقة الوثنية من الصابئة وقد بقيت إلى العصور المتأخرة كما تقدم. ومن هنا جاء اختلاف المفسرين والعلماء فخلطوا هذه الفرقة بالفرقة الأولى التي تنفي الوثنية والروايات الواردة في أنها يهودية أو نصرانية مجوسية مسلمة كما مر في البحث الروائي تشير إلى هذه الفرقة التي هي من أهل الكتاب دون الفرقة الوثنية.
الأمر الثاني : الأعمال. وقد تقدم أنّ الصابئة قالوا إنه لا يمكن التوسل بالروحانيات إلّا بالتخلية والتحلية ، ولا تحصلان إلّا بالأعمال ، وهي مختلفة عند فرقهم وشاقة ، فالصابئة كلهم يصومون ، ويصلون ثلاث صلوات : أولها عند طلوع الشمس ثمان ركعات ، والثانية عند زوال الشمس عن وسط السماء خمس ركعات في كل ركعة ثلاث سجدات ويتنفلون بصلاة في الساعة الثانية من النهار ، وأخرى : في التاسعة. والثالثة في الساعة الثالثة من الليل ، كما يصلون على طهر ووضوء خاص وهم يغتسلون من الجنابة ، ومس الميت ، ويحرمون أكل لحم الخنزير والكلاب ، والطيور ذوات المخالب ، والحمام ، ونهوا عن السكر والشراب وعن الاختتان ، وأمروا بالتزويج بولي وشهود ، ونهوا عن تعدد الزوجات ، ولا يبيحون الطلاق إلّا بحكم الحاكم ، وقد حرم بعضهم أكل البصل والجريث والباقلاء.
وقد أمروا جميعا بتقريب القرابين متعلقه بالكواكب وأجناسها وهياكلها ، واختلفوا في طبيعة الأضاحي حتّى وصل عند بعضهم التضحية بالبشر.
والحاصل مما وصل إلينا من حالاتهم أن الصابئة فرق مختلفة فبعضهم أخذوا بشريعة موسى ، وبعضهم أخذوا بشريعة عيسى ، وبعضهم وثنيون والكل يظهرون الإسلام والتغييرات والتبدلات كثيرة في دينهم مع صعوبات كثيرة تنافي سائر الأديان ، ولذا قلّ الدخول في دينهم فصار عرضة للزوال والانحلال. هذا ما ضبطته التواريخ بعد رد بعضها إلى بعض. وأما الصابئون حين نزول القرآن فيستظهر من الآيات ترددهم أيضا بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام والله العالم بالحقائق.