لِلْمُتَّقِينَ). النكال : بمعنى المنع ، وتسمى العقوبة نكالا لأنها تمنع النّاس عن ارتكاب ما يوجبها. والمراد بما بين يديها الأقوام المحاذون لها الذين لم يعاقبوا بعقوبتهم. وما خلفها الأمم اللاحقة لهم. والوعظ التخويف بكل ما يفعل الله تعالى بالعصاة.
وإنما خص الله تعالى المتقين إما لأجل أنهم يعلمون بأن الله لا يفعل ذلك إلّا مع الحكمة والاستحقاق. أو لأجل أن الموعظة تزيدهم بصيرة وايمانا وتقدم بعض الكلام في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢].
وفي سنخ هذه الآيات تسلية لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) عما كان يقاسيه من رذائل أخلاق أمته في زمان حياته وما يعانيه بعد ارتحاله فإنه (صلىاللهعليهوآله) شاهد يعلم بما يجري في أمته ، وحكم هذه الآية عام فإنها تشتمل على ترتب سخط الله تعالى بمخالفته في الدنيا ، وحصول المسخ وتعقيب ذلك بالنكال والموعظة ، ففيها دلالة واضحة على تعميم الحكم لجميع الأزمان والأمم ولا تختص بأمة دون أخرى ، لما ذكرنا غير مرة أن المورد لا يكون مخصصا. نعم إنّ الله تعالى قد يمهل لمصالح كثيرة ولكنه لا يهمل ، ومسخ الصورة وإن لم يكن له موضوع في أمة خاتم النبيين (صلىاللهعليهوآله) إجلالا له (صلىاللهعليهوآله) ولكن حكم مسخ القلوب ممكن بحسب الأخبار الكثيرة والبراهين العقلية ، وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.
ثم إن بعض المفسرين استدل بهذه الآية المباركة على عدم جواز الحيلة في الأحكام الشرعية الإلهية مطلقا ، لأن اليهود إنما استحقوا هذه العقوبة لأجل احتيالهم في الحكم الإلهي. والمناقشة في هذا الاستدلال واضحة ، لأن معنى الحيلة الشرعية : اجتهاد الفقهاء في إخراج الموضوع المحرم عن انطباق عنوان الحرام عليه إما تخصيصا أو تخصصا إلى عنوان محلل يدل على حليته الدليل الشرعي ، وهذا معنى قول أبي جعفر الباقر (عليهالسلام): «نعمت الحيلة الفرار من الحرام إلى الحلال» وقول الصادق (عليهالسلام): «ما أعاد الصلاة قط فقيه يحتال فيها ويدبرها حتّى يصححها» وذكرنا تفصيل البحث في موارد من الفقه.