اختبارا لهم ببقاء حب العجل وتعظيمهم له ، أو تحقيرا لهذه الدابة لأن البقرة كانت من جنس معبودهم فأراد سبحانه وتعالى أن يبين أنها لا تقدر أن تدفع عنها السوء فضلا عن العابدين لها ، أو لأجل أنهم كانوا يعدون البقرة من أعظم القربات حتّى أنهم جعلوا لها بيتا لا يدخله إلّا خيارهم بكيفية خاصة فأمرهم الله تعالى بذلك تقريرا لعادتهم في ما يتقربون عند حوائجهم اليه تعالى.
الرابع : إن ما ورد من التخصيصات في البقرة كما تقدم في الآية الشريفة لأجل أن منشأ الحياة ـ ولو كان جسمانيا ـ لا بد أن لا يتخصص سوى الإضافة إلى الله تعالى ، وأن لا يدعي أحد في القرون التالية أن ما يملكه من البقرة من نسل تلك البقرة التي أحيي بها الموتى فهذه البقرة كانت منفية الصفات والخصوصيات كما تقدم.
الخامس : التنبيه على تمام قدرته تعالى ، فإن من أوضح الواضحات أنه لا يمكن إحياء ميت بتلاقي جسمين لا حياة فيهما ، فلا بد وأن تكون الحياة في القتيل بعد ضربه ببعض البقرة من عالم الغيب المحيط بعالم الشهادة ، كما يدل عليه قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) في ذيل الآية المباركة ، حيث حصر الإحياء بذاته الأقدس فكان الإحياء من المعجزات.
السادس : ما ورد من الآيات المباركة في هذه القصة الإعتبار العظيم ، والتسلية لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) لما كان يلقاه من يهود عصره (صلىاللهعليهوآله) ومشركي قريش ، وتكفي في إتمام الحجة عليهم لنبوة خاتم الأنبياء لاعترافهم بأنها ليست من تعليم بشري وإنما هي من وحي سماوي. ولكن (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً) [سورة النحل ، الآية : ١٤] فاستحقوا بذلك العذاب الأليم.
ثم إنه يمكن أن يكون في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) إشارة إلى العزوف عن حطام الدنيا وزخارفها ، ولا يتحقق ذلك إلّا بالاستيلاء على الشهوات النفسانية التي هي أقوى من البقرة ، ولا تصل النفس الإنسانية إلى أسرار عالم الغيب والشهادة إلّا بإماتة تلك الشهوات ، وكيف يعقل أن تنكشف الأسرار وتتجلى الأنوار مع وجود تلك الحجب ، وقال نبينا الأعظم (صلّى الله