لا تجسم الملكات ، وما أثبته جمع بالبرهان إنما هو الثاني وادعى أهل العرفان فيه الشهود والعيان ، والسنة المقدسة مشحونة به لا سيما في أبواب المعاد ، فقوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أو قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٠] قول وجعل تكويني في جعل ملكاتهم وصفاتهم السيئة التي تكون في نفوسهم ، ونشأت عليها أبدانهم في قالب هذه الحيوانات المناسبة لفعالهم وملكاتهم ، فالروح والملكات عين ما كانت في السابق لكن اقتضت الحكمة الإلهية ظهورها في قالب الإنسان مدة ثم ظهورها في قالب يناسب تلك الصفات والملكات في مدة أخرى ، فالحقيقة واحدة والمظاهر مختلفة بإرادة الله تعالى وجعله.
ومن ذلك يظهر أن تجسم النفس بصور صفاتها وأخلاقها لا ربط له بمسألة التناسخ ، وبطلان الثاني لا يستلزم بطلان الأول.
ثم إنّ أساس مذهب التناسخ يدور مدار أحد أمور ثلاثة : إما قدم النفوس ، أو كون النفوس المجردة كالماديات التي تعتورها التغييرات والتبدلات ، أو النقص في قدرة الله تعالى وتضييقها بقدر عقولهم. والكل باطل ، فلا تناسخ لا في عالم الدنيا ، ولا في عالم الغيب أي دار السعادة والشقاوة ، ولا في عالم العقول المحضة ، ويأتي تفصيل ذلك كله إن شاء الله تعالى.
وعلى فرض تحقق المسخ الاصطلاحي فما هو الموجود من القردة والخنازير ليس من نسل المسوخ لما دل من النصوص على أن المسوخ لا بقاء لها بعد ثلاثة أيام وما هو الموجود ـ ويطلق عليه المسوخ ـ إنما يكون مثلهم لا أن يكون من نسلهم ومما اتفق عليه المسلمون أنه ليس في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم (عليهالسلام).
وخلاصة الكلام : المسخ إما في الظاهر أو في الباطن أو فيهما معا وكل هذه الأقسام إما في هذا العالم أو في عالم الآخرة أو فيهما معا وما كان في الدنيا إما أن يكون نسله مثله بعد المسخ أو يكون مثله قبل المسخ فيكون آدميا أو ينقطع نسله بالمرة بل يهلك نفسه بعد قليل من زمان مسخه ولكل من هذه الأقسام تفصيلات ربما نتعرض لها في ضمن الآيات المستقبلة.