يخرج بعضكم بعضا من ديارهم بغير الحق مباشريا كان أو بالتسبيب وكل منهما من القبائح العقلية ، ولذا اعترفوا وشهدوا بذلك.
وإنّما عبّر سبحانه بالنفس وجعل غير الشخص كأنه نفسه مبالغة في النهي ، وتأكيدا في الترك ولأنهم أمّة واحدة بينهم روابط القرابة والمصلحة والدين ، فما يصيب واحدا منهم كأنما يصيب الأمة ، وأراد سبحانه وتعالى بذلك تعليم حفظ الوحدة بين الأفراد مهما أمكنهم كقوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [سورة النور ، الآية : ٦١].
قوله تعالى : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ). الإقرار هو الإخبار الجازم بما هو لازم. والشهادة من الشهود وهو الحضور الذي لا شك فيه. والمعنى انكم أقررتم بالميثاق والعهد ؛ وتشهدون بما فعلتم به من الهتك والنقض.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ). إخبار عن نقضهم للعهد ، والخطاب إلى يهود عصر النبي (صلىاللهعليهوآله) وبيان لما نقضوه من سفك الدم وإخراج صاحب الدار من داره ، وفيه إشارة إلى ما كان بين اليهود في عصر النبي من التنافر والتعاند والقتل والأسر والعدوان وسيأتي في البحث الروائي ما يدل على ذلك.
قوله تعالى : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). التظاهر التعاون ، وهو مشتق من الظهر بمعنى المعين ، قال تعالى : (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٨]. والإثم والوزر والمعصية بمعنى واحد. والعدوان التجاوز عن الحد ، وفي المقام هو الإفراط في الظلم. أي أنه كان منكم من يعاون الظالم على إخوانه من اليهود بالإثم والعدوان أي القتل والأسر والإخراج من الديار.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ). أسارى جمع أسير ، وهو كل مأخوذ قهرا. وقد يطلق الأسارى على من في الوثاق ، والأسرى على من في اليد بلا وثاق وتفادوهم من الفداء وهو طلب الفدية. والمعنى أنه يفدي كل فريق من اليهود أسرى أهل ملته وإن كان من أعدائه ، ثم يعتذرون عن ذلك بأن دينهم أمرهم بفداء الأسرى من