وذكرنا أن مضمونها أحكام فطرية حكم بحسنها العقل إلّا أن لها قيودا مذكورة في الكتاب ، فليست الآية منسوخة وإلّا لعمّ النسخ كل تقييد لمطلق ، أو خاص لعام ، والحديث الوارد في المقام عن الصادق (عليهالسلام) كما سيأتي محمول على ما ذكرناه إن تم اعتباره.
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ). ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية المباركة جملة من المنهيات التي أخذ العهد من بني إسرائيل باجتنابها ، كما ذكر في سابقها مما أمروا بها. والسفك والصب والإهراق بمعنى واحد. والنفس ـ بالسكون ـ بمعنى الروح ، وهما شيء واحد وإن اختلفا مفهوما ، وهي اشرف ما في الإنسان وقد تحيرت العقول فيها ولم تزل مورد بحث العلماء واجتهادهم ، وغاية ما وصل العلم فيها مع بذل الجهود الجبارة أنها مبدأ الحياة والحركة ، ولكنهم لم يقدروا أن يتوصلوا إلى الحقيقة ، بل كلما ازداد الجهد فيها في تعاقب القرون ازداد الإنسان بعدا عنها وازدادت غموضا ، ولذا قالوا : إنّ قوله (عليهالسلام): «من عرف نفسه فقد عرف ربه» من التعليق على المحال إن لوحظ بالنسبة إلى الحقيقة ، وأما إذا لوحظ باعتبار الآثار فهو متيسر بحسب مراتب الإدراكات والاستعدادات والنفس ـ بالفتح ـ الهواء الداخل في البدن والخارج منه وبه قوام الحياة وتأتي بمعنى الفرج ، ومنه ما نسب إلى النبي (صلىاللهعليهوآله): «إني أجد نفس الرحمن من اليمن».
وفي قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) التفات إلى الحاضرين ترغيبا لهم إلى الإيمان بالنبي (صلىاللهعليهوآله) الذي يبين ما أخذ عليهم من المواثيق.
والديار جمع الدار ، سميت به لدورها على ساكنها وهي من الأمور التشكيكية الإضافية ، فالدنيا مع سعتها دار الفناء ، والآخرة مع عدم انتهائها دار البقاء ، ودار المسكين التي لا تسع مدّ رجليه دار أيضا. والدّيار ـ بالتشديد ـ من سكن الدار.
والمعنى : وإذ أخذنا منكم العهد أن لا يسفك بعضكم دم بعض ولا