هو اعتبار هذه الأمة من أحوال الماضين ، فإن الله تعالى لم يذكر لنا أحوالهم إلّا للاعتبار بها ، أو لأجل بيان أن سنة الله تعالى في الاجتماع الإنساني أن تكون متكافلة متعاونة يسعى كل فرد في إسعاد أمته ، ويعتبر سعادته بسعادتها ، وفي ذلك آيات وروايات كثيرة يأتي التعرض لها في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١))
من أهم العهود والمواثيق الإنسانية مع الله تبارك وتعالى إرشاده إلى المعارف الإلهية التي فيها الكمال الإنساني ولم يتمكن البشر أن يبلغ ذلك إلّا بمرشدين من قبله تعالى وهم الرسل والأنبياء بما أنزل عليهم من الكتب والأحكام. وقد جرت سنته تبارك وتعالى أن يرسل الرسل بعضهم إثر بعض لئلا ينسى الإنسان ما عهد إليه ربه ولا يكون في حيرة وضلالة. ومما أنعم تعالى على بني إسرائيل أن أرسل إليهم عددا من الرسل لينبئوهم بما عهد إليهم ربهم ويجددوا المواثيق عليهم ، فلم يكن منهم إلّا الإصرار على الكفر والعصيان ذلك لأنهم اتبعوا الشهوات فقست قلوبهم ، فاستحقوا اللعن والعذاب الأليم بما كانوا يفعلون.