«يا قدوس». وروح القدس هو جبرائيل الذي ينزل على الأنبياء (عليهمالسلام) ومنه يستمدون العلوم النازلة من الله تعالى على البشر ، فتطهر النفوس المستعدة عن أدناس الرذائل وتبلغ إلى ما أعدت لهم من درجات الفضائل. وتأييد عيسى (عليهالسلام) بروح القدس كان من أول حمل امه به إلى أن رفع إلى السماء كما يأتي بعد ذلك. هذا ولكن يظهر من جملة من الأخبار أن روح القدس غير جبرائيل ، وهو مع الأنبياء والأوصياء (عليهمالسلام) يستمدون منه وأما بالنسبة إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) الذي هو بدء سلسلة النزول وختم سلسلة الصعود ، فمقتضى المستفيضة عنه (صلىاللهعليهوآله) «أول ما خلق الله روحي [أو نوري]» أن يكون جبرئيل يخدمه لا أن يكون مؤيّدا بجبرئيل ، وفي المقام تفصيل نتعرض له في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ).
الهوى : الميل إلى الشيء ، سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه الى النار إذ يستعمل غالبا في الشر وفيما ليس بحق. والمعنى : أنكم تتبعون أهواءكم حتّى في اتباع رسل الله ، فمن كان منهم موافقا لهواكم تتبعونه ، وتخالفون من لا يكون كذلك.
قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ). أي أنكم كذبتم فريقا من الرسل ، كعيسى (عليهالسلام) ومحمد (صلىاللهعليهوآله) وتقتلون فريقا آخر منهم كيحيى وزكريا (عليهماالسلام) وغيرهما. ومن إيراد الفعل بالمضارع يستفاد استمرارهم على هذا الفعل الشنيع فصار العناد والجحود سجية لهم.
قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ). الغلف ـ بسكون اللام ـ جمع الأغلف ـ وبضمه ـ جمع غلاف ـ كحمر وحمار ـ بمعنى الغطاء. ولم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلّا في موردين : أحدهما هنا ، والآخر في قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) [سورة النساء ، الآية : ١٥٥] وكلاهما ورد في شأن اليهود وفي مقام ذمهم والطعن فيهم والمراد به على التقديرين أنهم قالوا قلوبنا مملوءة من علم التوراة فلا نحتاج