بحق النبي الأمي الذي وعدتنا ان تخرجه لنا في آخر الزمان إلّا نصرتنا عليهم ، قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ، فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي (صلىاللهعليهوآله) كفروا به فأنزل الله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بك يا محمد ـ الى قوله تعالى ـ فلعنة الله على الكافرين».
وفي الدر المنثور عن ابن عباس أنه قال : «كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد (صلىاللهعليهوآله) يستفتحون الله يدعون الله على الذين كفروا ، ويقولون : اللهم إنّا نستنصرك بحق النبي إلّا نصرتنا عليهم ، فينصرون ، فلما جاءهم ما عرفوا : يريد محمدا (صلىاللهعليهوآله) ولم يشكوا فيه كفروا به» وقريب من ذلك روايات أخرى.
أقول : عن بعض المفسرين الإشكال في هذه الروايات الأخيرة أولا : بقصور السند. وثانيا : بوهن الدلالة ، لأنه لا وجه لإقسام الله تعالى مع أنه لا حق في البين حتّى يقسم به ، لأنّ الكل مخلوقه ومملوكه تعالى.
ولكنه غير صحيح أما الأخبار فلأنها مستفيضة بين الفريقين ، بل متواترة معنى كما لا يخفى على الفاحص المتتبع ، فلا موضوع لتضعيف السند. وأما إقسام الله تعالى فإقسام العظيم بما هو شريف ومحترم لديه تعالى ، والقسم بالعزيز من العرف المحاوري بين جميع أفراد الإنسان وعليه جرت محاورة الكتاب والسنة ، قال تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة الحجر ، الآية : ٧٢] ، وقال تعالى عن إبليس : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة ص ، الآية : ٨٢] ، وفي الحديث إن الله تعالى قال : (وعزتي وجلالي لأقطعن أمل كل مؤمل أمل غيري).
وأما أنه لا حق في البين حتّى يقسم الله تعالى به فلا وجه له ، لأن الحق هو الثابت الواقع المتحقق فالله عزوجل هو الحق المحض وجميع ما سواه حق له ، لأنه مالك كل شيء وخالقه واليه مرجع الجميع ، وأي معنى للحقّية يتصور أشد وأعلى من ذلك؟! وهو تعالى جعل لبعض عباده حقا على نفسه الأقدس تشريفا وتعظيما لهم ، قال تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)