أمين وحي الله عزوجل بأنه ملك ينزل الحرب والدمار ، والشدة والفناء ، وأنه أنذر بخراب بيت المقدس ، وأنه يفعل من عند نفسه بخلاف غيره من الملائكة. فرد سبحانه وتعالى عليهم بأنّ هذا الملك وغيره من الملائكة مسخرون تحت إرادة الله تعالى المهيمن على الجميع الفعّال لما يشاء فلا يفعلون إلّا ما ارتضاه الله تعالى ، ولا يقضون إلّا ما أحبه عزوجل ، قال تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [سورة التحريم ، الآية : ٦]. وإذا كانت أفعال جبريل مستندة إليه عزوجل فيلزم أن تكون عداوتهم له عداوة الله تعالى ويرشد إلى ذلك ذيل الآية المباركة «بإذن الله» أي إنّ كل ما ينزله جبريل على رسول الله وسائر الأنبياء إنما يكون بإذن من الله تعالى لا من عند نفسه.
قوله تعالى : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ). التفات من الغيبة إلى الخطاب ، وهو من أحسن بدايع الفصاحة. والضمير في «نزله» يرجع إلى القرآن المستفاد من قرائن الحال وذلك يدل على رفيع شأنه فكأنه لشهرته لم يذكره في المقال وفيه من الإيماء إلى شرف جبريل (عليهالسلام) وذم أعدائه. والمراد من «إذن الله» علمه وإرادته ، وإنما ذكر سبحانه القلب لأنه موضع تلقي العلم والمعارف والكمالات. وخص قلب نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) لأنه خاتم الأنبياء وأشرفهم ، بل غاية أصل الخليقة وسيدها والإشارة إلى أن ما نزل على الأنبياء السابقين كموسى وعيسى (عليهماالسلام) من أشعة ما نزل على قلبه ولمعات من هذا النور العظيم ، فكما أن ذاته الأقدس غاية الخلق يكون كتابه المقدس غاية الكتب المقدسة السماوية. والغاية مقدمة في العلم وإن تأخرت في الوجود كما ثبت في الفلسفة.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ). أي : إن القرآن الذي أنزله جبريل على محمد (صلىاللهعليهوآله) مصدق لما تقدم من الكتب الإلهية وهدى وبشرى للمؤمنين ، وتقدم شرح ذلك في أول هذه السورة. ونزيد هنا أن الهداية والبشارة متلازمتان في جميع أطوار وجودهما ومراتب ظهورهما في الدنيا والآخرة والعمل. وسياق الآية المباركة يدل على أن لها شأنا