الغيب ، لكن بعد إثبات كفرهم في ذيل الآية الشريفة تكون هذه الدعوى منهم كاذبة لا محالة.
والمراد بالشياطين الأعم من شياطين الإنس والجن على حد قوله تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٢] ويحتمل أن يكون المراد خصوص شياطين الجن ، فإن شياطين الانس بمنزلة القوى العاملة لها.
والمراد بملك سليمان عهده وأهل مملكته ، ولعل ما في التعبير به إشارة إلى غلبة السحر والكهانة في ذلك الزمان حتّى استولى على ملك سليمان. وذلك لأن اليهود زعموا أن ملك سليمان إنما قام على أساس السحر والكهانة والطلسمات ونحو ذلك من الحيل التي نسبوها إليه كذبا وافتراء ، فغلبت على النّاس واعتادوا عليها واتخذوا السحر وسيلة إلى مقاصدهم وأغراضهم ، أو ليتوصلوا بها إلى الملك كما توصل سليمان به بزعمهم. وهذا يدل على شدة انغماسهم في الماديات. وإعراضهم عن الحقائق وأحكام الله تعالى وأنبيائه ورسله ، وهو لا يختص باليهود فإن كل قوم أعرضوا عن آيات الله واتبعوا أهواءهم ولم يقتدوا بالعلماء الداعين إليه تعالى صاروا مرتعا للشياطين ووساوسهم فيعملون كلما يشاءون في إبطال الحق وإفشاء الباطل وذلك هو الخسران المبين.
و «على» في قوله تعالى : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) تصلح أن تكون بمعنى (في) أي في ملك سليمان أو بمعنى (مع) كما في قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٤] أي على ألسنة رسلك ، أو معهم.
قوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا). لأنّ إفشاء الباطل في عهده أو على ملكه من الشياطين لا دلالة فيه على أن سليمان اعتقد بالباطل بوجه من الوجوه بل إثبات النبوة له يمنع عن ذلك مطلقا ، وفيه تبرئة من الله لسليمان وإثبات الكفر لمن نسب اليه السحر.
والمراد بالكفر المنسوب إلى الشياطين الكفر المطلق فيصير المقام