والمعنى : إنهم يتعلمون من السحر ما كان فيه ضرر عليهم في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فلعدم إحاطة المعلم بالواقعيات ، ولا كون العلم من الوسائل إليها ، فإن المنفعة الوقتية الخيالية التي يجلبها من السحر مع ما فيها من الإيذاء لسائر النّاس لا تعد خيرا أصلا لا سيما إذا كان جزاؤه عظيما. واما في الآخرة فمع كون المعلوم قرين الكفر بالله تعالى فلا بد وأن يكون إثمه عظيما ، فقد أوقعوا أنفسهم في الخسران والنقصان بسوء اختيارهم. وفي نفي المنفعة بعد إثبات المضرة إشارة إلى وجود منفعة مّا في السحر ولكنها قليلة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ). اللام للتوكيد وإن كانت في محل القسم. ولفظ (من) موصولة يصلح فيه الجنس والإفراد والجمع ، والضمير يعود إلى السحر. والخلاق النصيب من الخير ، يستعمل في القرآن في نصيب الآخرة.
والمعنى : إنّ الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين واختاروا السحر وسيلة لنيل مقاصدهم ، واستبدلوا ما في التوراة بذلك ونبذوه وراء ظهورهم يعلمون أنه ليس لهم في الآخرة نصيب ، لفرض وجود العقل فيهم وتمييزهم بين الخير والشر ، والنفع والضر ، وإتمام الحجة عليهم بدعوة الأنبياء وتحريم السحر عليهم فما بذلوه بإزاء تعلمهم السحر واتّباعه هو دينهم وآخرتهم. والقضية من القضايا العقلية التي لا اختصاص لها بقوم دون آخرين ، وهي استبدال الخير بالشر.
قوله تعالى : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). أي : ولبئس ما استبدلوا به أنفسهم ، لأنهم عرّضوا أنفسهم للهلاك والعذاب الدائم بما رضوا بالسحر ـ لو كانوا يعلمون علما فعليا بأنهم باعوا أنفسهم بأخسّ الأثمان وأقبحها. وفي الآية المباركة من الفصاحة ما لا يخفى على من تأمل فيها ، وتقدم نظيرها في الآية ٩٠ من هذه السورة.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ). مادة