حتّى غلب على أهل عصره ، وكاد أن يذهب معجزة أنبياء الله تعالى رأسا ، فأنزل الله الملكين يعلمان النّاس السحر ، ليفرقوا بين الحق والباطل مع تصريحهما لمن كان يتعلمه بأن ما يتعلمه إنما هو لأجل الامتحان والاختبار ، ودفع كيد الشياطين والتفرقة بين الحق والباطل ، وأن السحر كفر فلا تكفر بتعلمك له كما ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك.
قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ).
ذكر سبحانه مصداقا من مصاديق السحر لأجل كونه من أهمها الشايع بينهم.
قوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). لفرض أن جميع الموجودات من خيرها وشرها مورد قضائه وقدره فلا يخرج أثر السحر عن تقديره تعالى وقضائه ، لئلا يبطل نظام القضاء والقدر وجعل المسببات مترتبة على أسبابها حسب ما اقتضته الطبيعة ، وما يختاره الفاعل المختار.
قوله تعالى : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ). النفع ما يتوصل به إلى الخير ، فهو خير وضده الضر. وقد استعمل ذلك في القرآن الكريم كثيرا ، قال تعالى : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) [سورة الحج ، الآية : ١٢] وهو لفظ عام يشمل جميع موارد النفع في الدنيا والآخرة ، بل يطلق عليه سبحانه وتعالى فمن أسمائه المقدسة (يا ضار يا نافع) قال تعالى : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [سورة يس ، الآية : ٧٣] ، وقال تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٩] إلى غير ذلك من موارد الاستعمال في القرآن الكريم ، فيطلق على الواجب والجوهر والعرض في الدنيا أو الآخرة.
ثم إنّ النفع والضر إما واقعيان حقيقيان ، وهما المنساقان منهما في استعمالات القرآن. أو وهميان خياليان قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٦] وغالب أمور الدنيا مبنية على الوهم والخيال.