كما ذكرنا سابقا وبهذا المعنى كان معروفا في عصر النبي (صلىاللهعليهوآله) وما بعده فكانوا يطلقونه على التخصيص والتقييد بل على كل قرينة دلت على الخلاف كما عرفت.
واما بحسب اصطلاح العلماء فالمشهور بينهم أنه بيان انتهاء أمد الحكم الثابت سابقا. وتوضيح ذلك أن كل حكم إذا لوحظ بالنسبة إلى حكم آخر يتصور على وجوه :
الأول : الخروج الموضوعي أي الاختلاف بين الحكمين من ناحية الموضوع ، كخروج السؤال والالتماس عن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [سورة المائدة ، الآية : ١] فإنهما ليسا من العقود في شيء واصطلح العلماء على هذا القسم بالتخصّص.
الثاني : الخروج الحكمي مع بقاء الموضوع كخروج البيع الخياري عن العموم المتقدم فإنه بيع مع أنه لا يجب الوفاء به ، واصطلح عليه بالتخصيص.
الثالث : بقاء الموضوع والحكم على حالهما ، ولكن جعل الحكم كان محدودا بحد معين في عالم الإنشاء ، والتشريع ، وإنشاء الحكم بصورة الدوام والاستمرار لمصلحة ما ، فإذا انتهت مدة الحكم أقيم حكم آخر مقامه وهذا هو النسخ ، والفرق بين القسمين الأخيرين أن التخصيص خروج فردي وتحديد في الأفراد والحالات ظاهرا ، والنسخ تحديد في الأزمان في الواقع لا ان يكون التحديد في ظاهر الدليل ، وإلّا كان تقييدا أو تخصيصا ، بل الحكم أنشئ بصورة الدوام ولكنه في عالم التشريع مقيد إلى وقت معين. ولذا قيد العلماء في التعريف الحكم بالثابت أي : الثابت في الواقع ، وأما الثابت في الخارج فلا يرتبط رفعه خارجا بالنسخ ، لأن فعلية كل حكم تدور مدار تحقق موضوعه في الخارج فإذا وجد يترتب عليه الحكم لا محالة ، وإذا ارتفع يرتفع الحكم الفعلي ، وهذا لا ربط له بالنسخ بوجه من الوجوه ، ولا إشكال فيه من أحد.