بحيث لأحد للناسخ ولا حد للمنسوخ ولا يحيط بكل واحد منهما إلّا هو تعالى ، وفي كل شيء له آية ، وكل شيء له فيه نسخ وتغيير وتبديل ، ولا معنى لما أثبته أكابر الفلاسفة من أن مناط الحاجة هو الإمكان حدوثا وبقاء إلّا هذا ، كما لا معنى لكونه تعالى مهيمنا على ما سواه ، على الإطلاق ، وإن عنده خزائن الأشياء كلها وما ينزلها إلّا بقدر معلوم إلّا هذا.
والنسخ قد يتعلق بتمام الآية أو الحكم كله ، وأخرى ببعض الجهات دون البعض ، والثاني لا ينافي بقاءها من سائر الجهات ، وسيأتي التفصيل في هذه المباحث في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠) وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣))
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى مكائد اليهود ومكرهم بالنسبة إلى المسلمين بيّن تعالى في الآية الأولى أن سبب ذلك هو الحسد ـ وخبث نفوسهم ـ الذي لا ينفك عنهم ، ثم وعد المسلمين بالنصر وأمرهم بالإيمان والعمل الصالح لئلا يتأثروا بشبه المنكرين وتشكيك الكافرين ، ثم ذكر جل شأنه بعض أمانيهم الفاسدة الأخرى وهو انحصار دخول الجنّة باليهود أو النّصارى ، وقد أبطل ذلك تعالى بالدليل العقلي وهو أن الجنّة لا تكون إلّا بالعمل الخالص ، بل هي نفس العمل الخالص فقطع أمانيهم بذلك.