فهذه السورة على اختصارها مشتملة على جميع المعارف الإلهية والمعتقدات الحقة المذكورة في الكتب السماوية ، ويدل على فضل هذه السورة وكمالها مضافا إلى ذلك أمور أخرى :
منها : حسن نظمها وجمالها فإنها ابتدأت بالبسملة ثم الحمد وبعده ثناء الله عزوجل بأتم الصفات ثم إظهار العبودية لله تعالى التي هي أعلى مقامات الإنسانية ، فالاستعانة منه جل شأنه لدفع المهالك وجلب المنافع ثم طلب الهداية منه تعالى إلى طريق الصلاح ، فقد تجلى الله سبحانه وتعالى في القرآن وتجلى القرآن في الفاتحة ولأجل ذلك استحقت السورة ان تسمى ب (أم الكتاب) لاحتوائها ـ على اختصارها ـ عامة ما يحويه القرآن من المعارف وهي من أهم جوامع الكلم التي فضل الله تعالى خاتم أنبيائه (صلىاللهعليهوآله) بها وان شئت الظفر على بعض ما قلناه فانظر إلى ما يقرؤه أهل التوراة والإنجيل وسائر الأديان في صلواتهم تجد الفرق بينهما كبيرا.
ومنها : أنّها تبين أدب العبودية وتعلم العبد كيفية التكلم والمخاطبة معه جل شأنه ، والتلقين منه تبارك وتعالى دليل على القبول والاستجابة ، وقد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) أنه يقول : «قال الله عزوجل قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي». وقد تقدم في البحث الروائي.
ثم إنّ ابتداء هذه السورة بالحمد يدل على محبوبيته له تعالى وحسنه على كل حال سواء كان لذاته أو لفعله أو لصفاته. والظاهر من إضافة الحمد إلى الله تعالى أن الذات الأقدس ذات محمودة والذات المحمودة بالذات تستلزم محمودية الصفات ـ التي هي عين الذات ـ فما تعارف بين العلماء من أن الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري ـ كما تقدم ـ إنما هو بحسب الغالب المتعارف بين المخلوق بحسب إدراكهم والذات الأقدس خارج عن الاختيار ، والحمد على الذات الأقدس هو أعلى مراتب الحمد وعن النبي (صلىاللهعليهوآله): «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
نعم ، لا بد وأن ينتهي الحمد إلى الذات الأقدس والا لتسلسل ، لأن إنشاء الحمد من الحامد نعمة منه تعالى فهو يحتاج الى حمد آخر وهكذا