خاص ويكون «هذا» لخصوص القريب و «ذلك» لخصوص البعيد ولوحظت هذه الخصوصية في الوضع والموضوع له ، فأصالة عدم ملاحظة هذه الخصوصية مسلمة عند جميع الأدباء وغيرهم أيضا. وإن أرادوا أنّ الخصوصية حاصلة عند الاستعمال ، فهو صحيح في الجملة لكن محققيهم لا يقولون بصحة أخذ ما حصل من الاستعمال في الموضوع له ، وقد فصلنا القول في الأصول فليراجع تأليفنا فيه. هذا مع أنّ هذا البحث ساقط بالنسبة إلى ما ينزل منه عزوجل ، إذ لا يتصور بعد وقرب بالنسبة اليه تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] ، وهو قريب في عين بعده وبعيد في عين قربه ، وقد استعمل لفظ «هذا» بالنسبة إلى القرآن أيضا ، قال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي) [سورة الإسراء ، الآية : ٩] مع أن القرب والبعد لهما مراتب متفاوتة في القرآن أيضا فهو قريب إلى الأذهان من حيث نظمه وأسلوبه الظاهري. وقصصه وبعيد عنها من حيث متشابهاته ودقائقه فيصح استعمال الإشارة القريبة والبعيدة اليه من جهتين ، وعن علي (عليهالسلام): «إن القرآن ذو وجوه».
ثم إنّ هذه الجملة المباركة (ذلِكَ الْكِتابُ) في مقام التعظيم والإجلال للقرآن الكريم عظمة لا نهاية لها كما ستعرف. والكتاب قيل هو بمعنى الجمع لأنه مصدر من كتب يكتب إذا جمع.
وقيل : إنه بمعنى المكتوب وهو اسم جنس لما يكتب. والظاهر أن مادة كتب بمعنى الثبوت والوجوب. ويمكن إرجاع الأولين إليه أيضا فإن القرآن هو الثابت في جميع العوالم والجامع لجميع المعارف والكمالات.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن الكريم مقرونا بالتجليل والتعظيم ، قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [سورة ص ، الآية : ٢٩] ، وقال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) [سورة الكهف ، الآية : ١ ـ ٢] إلى غير ذلك من الآيات المباركة.