والمتقين : من الاتقاء ، والاسم التقوى ومعناها الحجز والمنع وهي من أعلى الصفات التي اعتنى بها الله تبارك وتعالى ، كما أنها من أجلّ المقامات الإنسانية وأرفعها ، والتقوى تدور مدار الإيمان والعمل الصالح.
والقرآن العظيم كما أنه مقتض لحدوث التقوى للعاملين به كذلك مقتض لبقائه فيهم أيضا ، ولا ريب في أن العمل بالقرآن ملازم للتقوى فكأنه قال تعالى : هدى للعاملين به ، وإنما ذكر المتقين إشعارا بعظمة التقوى وأهمية مقامها وذكر أحد المتلازمين وارادة الملازم الآخر شايع في كلام الفصحاء. وقد وصف الله تبارك وتعالى الكتاب في آيات أخرى بأنه هدى للمتقين ، كقوله تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٨] كما وصفه تعالى بأنه هدى للمسلمين ، قال تعالى : (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) [سورة النحل ، الآية : ١٠٢]. وللناس أيضا ، كقوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٥] ، فهو هاد للمتقين والعلماء العاملين به وسواد النّاس وذلك لعدم تناهي معارفه وعدم إمكان الإحاطة بعلومه لغيره عزوجل فكل يستفيض منه بقدر قابليته.
وليس المراد بالمتقين خصوص من بلغ المرتبة القصوى في إيمانه وتقواه لأن القرآن نافع وهاد لجميع المراتب بل وجميع النّاس كما عرفت ، ولا تختص هداية القرآن بالمتقين فقط لأن الوصف لا يدل على المفهوم خصوصا مع التصريح بالعموم في آيات كثيرة على ما تقدم.
ثم إنّ التقوى استعملت في القرآن الكريم بهيئاتها الكثيرة وجميعها تشعر بعظمة مقامها ورفعة شأنها وانها توجب محبة الله للمتصفين بها ومحبة النّاس لهم كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) [سورة الدخان ، الآية : ٥١] وقال تعالى : (أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة ق ، الآية : ٣١] وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [سورة التوبة ، الآية : ٧] ، وسيأتي التفصيل في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى. وقد استعملت منسوبة إليه عزوجل في قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [سورة البقرة ، الآية : ٤١] ، وقال