قلت : لا ريب في أن الجميع ـ الوجود والماهية وعوارضها ـ مجعول منه تعالى إما تبعا أو استقلالا فمن يقول باستقلالية الجعل بأحدهما يكون الآخر مجعولا بالتبع فالكل مجعول منه تعالى ومرزوق منه جل شأنه.
والإنفاق : هو الإخراج من اليد والمراد به هو الإعطاء الخاص المرغّب اليه شرعا والممدوح عقلا وهذا وصف آخر للمؤمنين بالغيب فإن من كان مؤمنا بما وراء الماديات ويعتقد بأنّ مرجعها إلى الزوال والفناء وان ما يملكه هو رزق من الله تعالى يجد في نفسه ميلا إلى بذله ابتغاء رضوان الله ورحمة لبني نوعه ويكون من المتقين الذين لهم القابلية لهدى القرآن ، فقوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أجمع كلمة نافعة للإنسان وأعظم ما يتحفظ به النظام لأن جميع مواهب الله تعالى على الإنسان رزق منه لا بد وان ينفق بنحو ما اذن الله له وهذا هو الاستكمال والاستنماء لنفس الموهبة الإلهية في الدنيا والآخرة وهو من الأمداد الغيبي الذي يصل منه تعالى إلى المنفقين ، وفيهم نزل قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦١]. كما أن فيهم نزل أيضا : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠]. وليست الحسنة مختصة بالمال بل تشمل كل خير يوصل إلى الغير لينتفع به ويسمى صدقة أيضا وسيأتي في البحث الروائي ما ينفع المقام.
ثم إن الإنفاق أقسام :
الأول : الإنفاق الواجب كالزكاة المفروضة والخمس والكفارات والنفقات الواجبة وما أوجب الإنسان على نفسه بالنذر ونحوه ، ومن الإنفاق أيضا انفاق الواجبات النظامية على ما فصل في الفقه.
الثاني : الإنفاق المندوب الذي حث القرآن اليه في آيات كثيرة كما سيأتي ، وكل ما اشتد حب الإنسان لشيء يشتد ثواب إنفاقه لله تعالى قال جل شأنه : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٩٢].